بداية هذا الرجل لا أعرفه. لم أقابله فى أى وقت ولا فى أى مناسبة. لكنه لفت انتباهى لحبه وغرامه بالمدينة التى نعيش فيها.. القاهرة. إنه السفير الإنجليزى.
نشر جون كاسن مقالا فى جريدة الشروق يوم 21 /9 الماضى. فى مناسبة مرور عام على وجوده بمقر عمله بالقاهرة. ما قاله مهم. لكن لا أريد أن أتوقف عنده. سواء بالتفسير أو بالتحليل. المقال الذى كتبه يعكس بوضوح أننا أمام رجل غير تقليدى. سفير يكسر القواعد. مؤمن بما يفعل. أعجبتنى شجاعته.. يحب عمله فى مصر. يواجه المشاكل، لا يختفى وراء مكتبه الوثير رغم أن هذا أسهل كثيرا.
نموذج مختلف من الدبلوماسيين لا نعتاد على أمثاله. نخشى التعامل معهم.على المستوى الرسمى. أظن أنه على المستوى الشعبى مرحب به. لأن فيه شيئا من خفة دم المصريين. السفير فى حد ذاته أصبح أقوى من السفارة. له الكثير من النشاطات التى تجعله يتفوق على دبلوماسيين لهم وزنهم فى القاهرة. أعتقد أنه أصبح الدبلوماسى الأهم. لأنه الأكثر اهتماما بالبيئة التى يعمل فيها.
جون.. مؤمن أن الدبلوماسى الناجح يجب أن يكون مستمعا ناجحا. وليس متحدثا فحسب.
قدم ولأول مرة الكثير من المنح الدراسية الجامعية فى مجالات مختلفة. جميع الطلاب سافروا منتصف الشهر الماضى. التحقوا بجامعات عريقة فى إنجلترا. أعرف ثلاثة أصدقاء ذهبوا إلى هناك بالفعل للدراسة فى تخصصات مختلفة.. السفير ساعد فى ذلك. لعب دورا كبيرا. هو مهتم بإقامة جسور تواصل أكبر بين مصر وبلاده. كل هذا إيجابى. أما السلبى فهو أننا نفهم تحركات السفير على نحو خاطئ.
فكر المؤامرة يعشش فى عقولنا. نفسر كل شىء إيجابى على أنه ضد مصر. من يريد مساعدتنا نشكك فى نواياه. من يحب بلادنا ويستمتع بها نهاجمه بكل قوة. كل من يختلف معنا حتى وإن كان مصريا لا مانع أن نتهمه بالخيانة.
السفير الإنجليزى يتحرك فى العلن يكتب ويعبر عن آرائه ويتكلم فى كل مناسبة. للأسف نشاط هذا السفير اختبار لنا كمصريين. يطرح السؤال الصعب: هل مازلنا ضحايا فكر الستينيات من القرن الماضى. نخاف كل ماهو أجنبى؟
الآن جاءنا سفير يقف خارج أسوار سفارته، يريد النقاش والحوار والجدل. ونحن نختبئ خلف أبواب بيوتنا. هل هذا يعقل؟
دبلوماسى مصرى نصح جون بأن يلزم سفارته ولا يخرج من بابها ولا يشتبك على السوشيال ميديا مع المصريين، خوفاً عليه.
الحقيقة أنه الخوف منه. هكذا اعتدنا التعامل مع أى أجنبى منذ ٥٢.
ويلكَم.. جون.