كتبت فى هذا المكان، صباح الجمعة الماضى، عن اقتراض مليار يورو من بنك مجرى، لشراء 700 عربة سكة حديد، وكان تقديرى ولايزال، أنه لا أحد ضد الاقتراض فى عمومه، وأن المطلوب فقط هو مراجعة سياسة الاقتراض الحالية، وعدم الاستسلام لإغراءات الاندفاع فيها، لأن التاريخ يخبرنا فى كل أحواله بأن عواقبها شديدة الخطورة على أجيال بكاملها، وبأن العواقب تمتد أحياناً إلى كيان البلد ذاته واستقلاله، وربما تكون تجربة الخديو إسماعيل هى أبلغ دليل!
وقد تلقيت خطاباً من الدكتور جلال سعيد، وزير النقل، تعقيباً على ما كتبت، يقول فيه، إن ما تم توقيعه مع المجر هو اتفاق إطارى يجرى التفاوض حوله، وإن القيمة الحقيقية للقرض 600 مليون يورو، وليست ملياراً، وإن عدد العربات التى يشملها الاتفاق 780 عربة قد تزيد إلى 900 بنفس القيمة، وإن حجم أسطول عربات السكة الحديد، حالياً، يبلغ 3000 للدرجتين الثانية والثالثة، وهى متهالكة تماماً، وأكثر من نصفها تعدى عمره 40 سنة، وإن الاتفاق مع المجر سوف يكون على تصنيع أكثر من 50٪ من العربات محلياً، وبالتالى فإن جزءاً كبيراً من القرض سوف يدعم التصنيع المحلى.
وفى رسالة الوزير أيضاً أن القرض مدعوم من الحكومة المجرية، وأن فائدته السنوية 1.26٪ وأن مدته 12 سنة، بفترة سماح خمس سنوات، وأن العمل يجرى مع مصنع قادر، أحد مصانع الهيئة العربية للتصنيع، على تطوير ألف عربة من الأسطول الحالى، وأن هناك تعاقداً بين الهيئة والسكة الحديد، لتصنيع 212 عربة بتمويل حكومى 2 مليار جنيه، وقد وصل أكثر من 65٪ منها فعلاً، ودخلت الخدمة على خطوط الإسكندرية والصعيد، وأن خطوات أخرى تتم بالتوازى لتدعيم أسطول الجرارات، وإصلاح المحطات، ونظم الإشارات، والتحكم فى المزلقانات، وصيانة جسور السكة الحديد.
انتهت الرسالة, ولا اعتراض لى عليها، ولا على كثير مما جاء فيها، فالوزير يظل مشكوراً على أنه أوضح الأمور للقارئ، صاحب الشأن فى المسائل كلها.
فقط أريد أن أصارح الوزير «سعيد»، بأن القرض حتى ولو كان 600 مليون يورو، فالمبلغ ليس هيناً بالمرة، لأنه يوازى أكثر من ستة آلاف مليون جنيه، ومع ذلك فلا مشكلة، إذا كان هذا سوف يخفف فعلاً من معاناة الذين يجدون أنفسهم مضطرين لاستخدام السكة الحديد فى حركتهم اليومية.
ثم أريد أن أصارح صانع القرار فى البلد، بأنى أشعر بأن هناك هرولة فى الاقتراض من الخارج، وأن هذه الهرولة فى حاجة إلى ضابط يحد من اندفاعها ويرشّدها، ويدرك أن الذين يعطوننا القروض، من أى بلد، وأى مكان، لا يحبوننا إلى هذا الحد، ولا يرغبون فى إصلاح حالنا إلى هذه الدرجة، لأن كل دولار يدفعونه لنا، سوف يعود لهم دولاراً كما كان، ومعه فائدته، وبالتالى، فدولاراتهم مضمونة، ومعها فوائدها أيضاً، وفى مواعيدها المحددة سلفاً، مهما كان وضعنا الاقتصادى حين يأتى أوان رد القرض وفائدته!
ومما زاد مخاوفى، ما قرأته مؤخراً، على لسان «أحمد أويحيى»، مدير ديوان رئيس الجمهورية فى الجزائر، عن أن تراجع أسعار النفط قد وضع بلاده فى مواجهة أزمة اقتصادية قاسية، وأنه لولا قرار الرئيس، فى عام 2005، بعدم اقتراض دولار واحد، مهما كان الأمر، لكانت الجزائر قد واجهت الانهيار!
تصريحات مدير الرئاسة الجزائرى موجودة، وكانت فى الصفحات الأولى للجرائد، وفيها درس لمن يحب أن يأخذ درساً من بين مسؤولينا، فلا نهرول وراء الاقتراض هكذا، أياً كانت المبررات!
خذوا درس الجزائر.. حتى لا يأتى يوم تندمون فيه!