منذ حوالى ستة شهور أقام إسماعيل سراج الدين فى مكتبة الإسكندرية مؤتمراً عن مستقبل الديمقراطية فى العالم ودعا إليه مجموعة كبيرة من السياسيين والبرلمانيين من مختلف دول العالم وبعض الرؤساء السابقين فى أوروبا، وكذلك نخبة من السياسيين المصريين، وقد شرفت بحضور هذا المؤتمر.
وكانت إحدى جلسات المؤتمر عن الأحزاب السياسية فى الغرب، وكان المتحدثون ثلاثة من أوروبا وواحد من الولايات المتحدة الأمريكية، والأخير تحدث عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأثناء حديثه قال، وهو الخبير الكبير فى الشؤون السياسية الأمريكية، إن دونالد ترامب لا يمكن أن يتم ترشحه بواسطة الحزب الجمهورى وعند المناقشة سألته من باب المشاكسة على أى أساس تجزم بأن لن يتم اختياره ممثلاً للجمهوريين وقد سبق لهم أن اختاروا بارى جولد ووتر مرشحاً لهم، وكان هذا المرشح من أقصى اليمين الجمهورى قد هدد بإمكانية استخدام القنبلة الذرية لإخضاع العالم كله لأمريكا فى حالة انتخابه. وأكد المتحدث الأمريكى أن العالم وأمريكا تغيرا وأنه لن يتم اختياره لأن كل قيادات الحزب الجمهورى ترفض ترشحه ولن تؤيده ولم يحدث أن تم اختيار مرشح ضد رغبتهم.
خلال الشهور الماضية حدثت متغيرات كثيرة فبعد أن كان جميع المعلقين السياسيين والخبراء يستخفون بترامب ويعتبرونه نكتة، اكتسح الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى واضطرت قيادات الحزب لتأييده وهو لم يكن أحد كوادر الحزب بل كان يدعم المرشحين الديمقراطيين فى انتخابات سابقة. وكانت كل استطلاعات الرأى تقول بأن ترامب سوف يلقى إحدى الهزائم الكبرى فى تاريخ أمريكا، وكان الجميع يتكلم أن هيلارى كلينتون ستكون الرئيس القادم وساعد على ذلك الخطابات العشوائية التى ألقاها واعتبرها الكثيرون تودى فى داهية وبالذات فى سياسته الخارجية تجاه أوروبا واليابان والصين والمكسيك التى قال إنه سوف يبنى جداراً بينها وبين أمريكا على أن تدفع المكسيك تكاليفه. والهجوم على المسلمين الأمريكيين ومنع دخول المسلمين إلى أمريكا وأشياء أخرى كثيرة منها أن على اليابان وكوريا والسعودية أن يدفعون مقابل حمايتهم ويريد أن يعيد الصناعات الأمريكية الموجودة فى الخارج بسبب رخص الأيدى العاملة إلى أمريكا.
وخلال هذه الفترة اعتبره الكثيرون مهرجا كبيراً ويقول كلاماً فارغاً ولا يصلح. ولكن باستمرار نجاحه فى الانتخابات التمهيدية وخروج جميع المنافسين بدأ الشعب الأمريكى يتغير تقييمه تدريجياً ناحية ترامب، لقد سأم الجمهوريون المرشحون التقليديون وها هو مرشح مختلف يتكلم بالسليقة ويقول رأيه بصراحة بالغة ولا يراعى القواعد الدبلوماسية وبدأ الكثيرون ينحازون له ويقولون إن النظام الأمريكى قد فشل وعليهم اختيار واحد من خارج المؤسسة وقد ساعد على ظهور ترامب وتقدمه عدم وجود البديل الكاسح فى الحزب الديمقراطى فهيلارى كلينتون وهى السياسية الخبيرة المتمرسة ووزيرة الخارجية السابقة والعضو فى مجلس الشيوخ عن محافظة نيويورك وصاحبة المشروع الأول للتأمين الصحى الذى لم يحالفه التوفيق أيام رئاسة زوجها بيل كلينتون والتى كان الكثيرون يعتقدون أنها سوف تكتسح لم يتحقق ذلك. فجميع استطلاعات الرأى أظهرت أن الأمريكيين يعتقدون أن دمها تقيل وأنها براجماتية أكثر مما يجب وظهرت بعض تصرفاتها أثناء أزمة سفير أمريكا فى ليبيا استخدامها الإيميل الخاص بها فى أمور رسمية أدى إلى هجوم عليها واعتبر ذلك يوحى بعدم الثقة فى كفاءتها ومصداقيتها.
ومن المفروض أن أغلبية أصوات المرأة سوف تنحاز لها ولكن لا يبدو ذلك صحيحاً وزاد من مشاكل هيلارى المرشح الديمقراطى المنافس لها وهو سياسى أمريكى غير عادى يريد أن يطبق النظم الاقتصادية الموجودة فى شمال أوروبا ويزيد رقعة الضمان الاجتماعى للمواطن الأمريكى. وهو نائب فى مجلس الشيوخ منتخب مرات كثيرة وله شعبية كبيرة وبالرغم من أنه يهودى الديانة إلا أنه الوحيد فى تاريخ أمريكا الحديث الذى رفض الحديث أمام المنظمة الأمريكية اليهودية الهامة إيبك وكانت أراؤه بالنسبة لإسرائيل مخالفة لما يقوله المرشحون للرئاسة من الحزبين.
المرشح ساندرز فاز بعدد كبير من الولايات أمام هيلارى ولكن فرصته ضعيفة فى الحصول على ترشيح الحزب إلا فى حالة واحدة وهى إذا فاز فى الانتخابات التمهيدية لولاية كاليفورنيا فيكون الأمر صعباً أمام الحزب الديمقراطى فى الاختيار.
فى النهاية يبدو أن الانتخابات ستكون بين ترامب وهيلارى والموضوع ليس محسوماً كما كان يعتقد الجميع ولا ندرى ماذا سوف يحدث. لا يزال ترامب يرفض إعلان إقراره الضريبى كما هى العادة بين جميع المرشحين ولا أحد يدرى هل تحدث أخطاء فادحة جديدة تؤدى إلى سقوطه.
يقول أصدقائى من المصريين الأمريكيين إنها انتخابات غريبة وكثير من الناخبين لا يعرفون من سوف ينتخبون فهم خائفون من ترامب ولا يثقون فى هيلارى. والكثيرين لن يذهبوا للتصويت لرفضهم كلا المرشحين، وقال أحدهم أنها مشابهة لانتخابات شفيق ومرسى فى مصر، ولكن فى النهاية هى انتخابات ديمقراطية نزيهة وليس فيها تدخل من الأمن أو الدولة العميقة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك