x

طارق الغزالي حرب هل تريدون الإعلام أفيوناً للشعب؟ طارق الغزالي حرب الأحد 05-06-2016 21:10


معلومتان معروفتان أود أن أعيد التذكير بهما قبل الدخول فى الموضوع الذى أكتب عنه.. المعلومة الأولى أنه منذ أكثر من 150 عاماً وحتى الآن والعالم يردد مقولة منسوبة للفيلسوف الشهير كارل ماركس وهى أن «الدين أفيون الشعوب»، وبالبحث والتقصى يتضح أن الرجل لم يقل هذا فى معرض الاستهزاء بالدين، وإنما تم استغلال العبارة بعد انتزاعها من سياقها وتغييرها من صفة المفرد إلى الجمع أثناء الحرب الباردة فى النصف الثانى من القرن الماضى، فالتعبير الذى كتبه كارل ماركس بنصه المترجم عن الإنجليزيه أن «الدين هو تنهيدة أو آهة المضطهد وهو قلب عالم لا قلب له مثلما هو روح مالا روح له، إنه أفيون الشعب» واصفاً بذلك تلك الأحوال التعيسة للمجتمع الذى يعيش فيه، ومعلوم أن الأفيون هو مادة مُخدرة ومُسكنة للآلام.. المعلومة الثانية هى عن «جوزيف جوبلز» العبقرى الألمانى وزير دعاية وإعلام النازية الذى ولد فى أواخر القرن قبل الماضى والذى يوصف بأنه مؤسس فن «غسيل الأدمغة» والذى يعترف هتلر بفضله عليه، له عبارات خالدة صارت دستوراً لخدم كل ديكتاتور الذين يعملون فى مجال الإعلام، ومن أشهر هذه العبارات «اكذب حتى يُصدقك الناس» و«أعطنى إعلاماً كاذباً أعطك شعباً بلا وعى» والأهم والمؤكد عنه تلك العبارة «كلما سمعت كلمة مُثقف تحسست مسدسى» والمعنى هو أن الوعى هو السلاح المضاد لعمليات غسيل الأدمغة والدعاية عبر الإعلام. من هاتين المعلومتين يمكن التأكيد بأن الإعلام بمفهوم جوبلز هو بمثابة الأفيون للشعوب بمثل ماتصور ماركس الدين بالنسبة لشعبه، فهو يُخدر عامة الناس ويُسكن بعض آلامهم بحلو الكلام وزيف الوعود. هذه مقدمة ضرورية قبل الحديث عن أحوال الإعلام فى مصر الآن، فلدى إحساس بأنه منذ أشار الرئيس السيسى فى أوائل عهده بأن الزعيم الخالد عبدالناصر كان وراءه إعلام قوى يسانده، فهم البعض هذه الرسالة بمفهوم خاطئ سواء عن عمد أو جهل.. فحدثت بين الفينة والفينة مواقف وأحداث- تقف وراءها بالتأكيد شخصيات أو مؤسسات أو أجهزة غير مرئية ولا معلومة- غايه فى الغرابة فى حدتها بل وشذوذها أحياناً تجاه الإعلام الحر، سواء كانوا مالكيه أو العاملين به.. وأقصد بالإعلام الحر ماينقل الصورة الحقيقية لأحوال الوطن والنظرة إليها فى الداخل والخارج بكل الصراحة والصدق والشفافية، وينقد وينبه ويحذر حينما يكون الانتقاد والتنبيه والتحذير واجباً، ولا يُمثل فئة أو جهة أو جماعة أو هيئة بعينها ولا يكون بوقاً لها.. باختصار إعلام يرفض أن يكون أفيوناً للشعب. وكمثال لهذه المواقف والأحداث، ما شهدناه فى السنوات الأخيرة من خروج للعديد من الشخصيات الإعلامية الكبيرة التى تتميز بالمهنية والاحترافية والعلم والوطنية من الساحة الإعلامية فى قنوات الفضائيات المختلفة، فى نفس الوقت الذى صعدت فيه واعتلت المنابر شخصيات ذات تاريخ أسود ملوث، تتميز بقدرة غير عادية على التلون والنفاق، وتتاجر بالوطنية وبكل المبادئ العظيمة من أجل استمرار وجودها على الشاشات وجنى الملايين بلا حساب فى ظل رعاية تلك الجهات غير المرئية ولا المعلومة! وفى مجال الصحافة- خاصة القومية- يتوالى منع نشر كتابات لكتاب محترمين ومثقفين كبار بسبب آرائهم التى يرى فيها رؤساء تحرير تلك الصحف أنها ممكن أن تُغضب جهة ما من تلك الجهات غير المرئية ولا المعلومة! ولكن ربما كانت أكثر المشاهد شذوذاً فى حدتها وجبروتها تجاه الصحافة فى العام الأخير، واقعة القبض المُشينة على المهندس صلاح دياب مؤسس «المصرى اليوم»، ثم واقعة اقتحام نقابة الصحفيين بعد أن وضع رجال الداخلية الدستور والقانون تحت أحذيتهم وهم واثقون من الحماية وعدم المحاسبة، وأخيراً القبض على نقيب الصحفيين وقيادات النقابة وتعرضهم للحجز والإهانة ثم تحويلهم للمحاكمة العاجلة أمام محكمة الجنايات! يحدث كل هذا فى الوقت الذى يتم فيه الترخيص بسرعة فائقة للسيدة شرشر، زوجة وزير داخلية مبارك، وأحد أهم أسباب سقوطه، حبيب العادلى الذى حكم عليه بالسجن فى جرائم ثبتت صحتها- بإنشاء صحيفة تملكها وترأس مجلس إدارتها، وأعانها فى ذلك أسماء كبيرة فى عالم الصحافة مستعدة لتقديم خدماتها بالأجر! وها نحن نسمع عن فضائية قادمة وموقع إلكترونى أيضاً تحت رئاسة نجمة الإعلام الجديدة. لقد أفلحت عملية «غسيل الأدمغة» فى خلق اتجاه شعبى غالب ضد الصحافة والصحفيين ودفع الناس للانصراف عنها، وهو فى رأيى اتجاه غبى سيدفع الوطن ثمنه مزيداً من التدهور العام والفساد. الصحافة الحرة ياسادة هى التى تكشف مواطن الخلل وأماكن الضعف فى بنية المجتمع كخطوة أولى للمواجهة والإصلاح، وبالتالى فهى جديرة بأن توصف بالسلطة الرابعة، وجديرة بالاحترام والحماية من أى حاكم رشيد.. أم يريد القائمون على أمر هذا البلد إعلاماً يكون بمثابة «أفيون» للشعب يصيبه بالغيبوبة والشعور الزائف بالسعادة وهو يسمع عن المشاريع والمعجزات التى ستتحقق عام 2030، فلا يستفيقون قبل هذا التاريخ؟ ربما!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية