لم أتعلم فى كلية الطب أن تجاهل الجروح والاكتفاء بتغطيتها هو العلاج الأمثل لها والخلاص من أوجاعها.. ولم أتعلم من أيام وسنين العمر أن الحل الوحيد لأى مشكلة هو التظاهر بأنه ليست هناك مشكلة..
ومن مهنة الصحافة التى يعيش صاحبها فى كل يوم حكاية جديدة، يخوض حربا جديدة، ويرى وجوها جديدة، ويسافر إلى مكان جديد، تعلمت أن تعطيل القانون بحثا عن السلامة ينتهى بضياع العدل والأمان.. وأن إسكات الأصوات بحثا عن الاستقرار سينتهى حتما بالثورة والفوضى ومزيد من الارتباك.. وكتبت كثيرا رافضا هؤلاء الذين يصرخون ويثرثرون فى كل مكان بتهديداتهم بكشف الأسرار، فإذا ما تحققت مطالبهم واكتملت مكاسبهم صمتوا فلا كشف ولا مصارحة.. والذين يملأون الدنيا صراخا وضجيجا واتهامات وفضائح حتى يقبّل أحدهم رأس أخيه، فتذوب فى لحظة كل الاتهامات والفضائح كأنها لم تكن..
ولا أعتذر عن هذه المقدمة الطويلة التى لا أقصد بها حكاية امرأة المنيا التى عرّوها وجرجروها على الأرض دون أن يسترها رجل واحد أو حتى امرأة، ويريدون الآن جلسة وفاق ومصالحة كأنهم يريدون تكرار هذا الوجع مرة ومرتين وألف مرة.. إنما أقصد حكاية بيشوى عاطف الذى طالبه الكثيرون بالسكوت، وأن هذا ليس الوقت المناسب لما يقوله، والملف الشائك الذى يقلب فى أوراقه أمام الجميع.. فقد فوجئ بيشوى برفض مسؤولى كرة القدم فى قطاع الناشئين بالنادى الأهلى قبول شقيقه الأصغر «تونى»، الذى لايزال فى الثالثة عشرة من عمره، رغم موهبته واجتيازه الاختبارات الأولى لمجرد أنه طفل مسيحى.. بيشوى لم يسكت ولم يخش الكلام والصراخ..
لم يلتفت لكل هؤلاء الذين طالبوه بالسكوت احتراما للظروف وحتى لا يؤجج نار الفتنة، ولا يدرى هؤلاء مدعى الحكمة أنهم هم الذين بجبنهم وغبائهم وحماقتهم يصنعون الفتنة ويقدمون لها مزيدا من النيران فى كل يوم جديد.. لم يسكت بيشوى حتى قرر عادل طعيمة، مدير قطاع الناشئين بالأهلى، أن يعيد اختبار تونى من جديد.. وقبل كل ذلك، قدم عادل طعيمة فى سلوك راقٍ ورائع يليق بالنادى الأهلى اعتذارا لتونى وشقيقه الأكبر..
وبعد الاختبار أعلن طعيمة نجاح تونى فى الاختبار الأول فى انتظار نتائج بقية الاختبارات.. وانتهت المشكلة بحل حقيقى وحاسم وواضح وليس التجاهل وتغطية الجروح.. وأى إنسان عاقل يعرف أن هناك مشكلة كروية تواجه الأقباط فى كل أندية مصر بلا استثناء..
نصف المشكلة يتسبب فيه مسؤولون مسلمون، لا يعترفون للأقباط بأى حقوق، حتى لو كان حق لعب كرة القدم، أما النصف الآخر فسببه الأقباط أنفسهم الذين كانوا فى الماضى يخافون ويؤثرون الصمت والأمان ويكتفون باللعب فى دورى الكنيسة وليس فى الأندية العادية ومسابقاتها الرسمية.. وتحت لافتة البحث عن السلامة وفى انتظار الوقت المناسب الذى لا يأتى أبدا.. لم يجد هؤلاء المسؤولون المتطرفون أحدا يحاسبهم، ولم يملك الأقباط شجاعة الصراخ والاحتجاج.. حتى جاء أخيرا الوقت الذى لم يدفن فيه عادل طعيمة رأسه فى الرمال ولم ولن يسكت فيه بيشوى عاطف.