لا أفهم أن يستاء أحدهم ويشمئز ويسكنه الضيق والإنزعاج والغضب من سلوك متطرف، ثم يقوم نفس هذا الشخص بممارسة نفس السلوك ونفس التطرف.. فحين قام المجرمون المتطرفون فى إحدى قرى أبوقرقاص بمحافظة المنيا بتجريد امرأة قبطية عجوز من كل ملابسها وجرجرتها عارية فى كل شوارع القرية بسبب شائعة عن قصة حب تربط بين فتاة مسلمة وشاب قبطى ابن لهذه المرأة التى جرجروها فى الطرقات عارية وكأنهم كانوا يعرون مصر كلها من شرفها وأخلاقها وكرامتها وإنسانيتها.. وبمجرد أن انتشرت هذه الحكاية أو الفضيحة حتى كان هناك من أدانوا كل هذا التطرف والهمجية والفوضى واستنكروا هذا الفكر والسلوك والتخلف..
لكن المفاجأة أن كثيرين من هؤلاء الذين أزعجهم مثل هذا الفكر وكل هذا التطرف عادوا بعد ساعات قليلة فقط لممارسة نفس الفكر ونفس التطرف فور انتهاء مباراة الأهلى والمقاولون.. وسواء كان هؤلاء ينتمون للأهلى أو الزمالك فقد كانوا جميعهم على استعداد لتعرية أى أحد، وسحل أى أحد، وإهانة وتجريح واغتيال أى أحد لا يوافقهم الرأى.. انفجار شتائم وسخرية وإهانات وتبادل اتهامات ومفردات سافلة وقبيحة دون أدنى مبرر أو ضرورة..
وهذا مجرد دليل آخر على أن التطرف فى بلادنا لم يعد دينياً فقط.. إنما طال التطرف كل زوايا بلادنا ومجالات حياتنا.. مجتمع بلغت هشاشته درجة عدم قبول واحتمال أى رأى آخر أو خلاف فى الرؤى أو حتى حوار هادئ وراق ورصين.. وعلى الرغم من احترامى للأهلى والزمالك معا احتراما صادقا وحقيقيا ودائما إلا أننى على استعداد لقبول نصيبى من الشتائم والإهانات، لأن ما سأقوله لن يوافق هوى الجمهور المتطرف لأى منهما بشكل كامل..
فالأهلى لا يفوز بالحكام، وبطولاته ليست مزورة، ولم يكن فى حاجة لأى مجاملة ليفوز على المقاولون.. ولو كان الأهلى محل المقاولون أمس الأول بنفس الظروف والوقائع لتغير الكلام تماما، وكنا قرأنا وسمعنا عن التحكيم الفاجر المتحيز ضد الأهلى خوفاً أو مجاملةً لرئيس الزمالك.. ثم إننى لم أفهم بالضبط هل احتجاج الغاضبون والرافضون سببا لقيام الحكم بطرد لاعبين من المقاولون فى دقيقة واحدة أم لأن خطأ الإثنين لم يكن يستحق الطرد؟.. وأنا لا أعرف الخطأ وليس من حقى أو دورى تحديد العقوبة المناسبة.. لكننى فقط أتوقف أمام قناعات مصرية قديمة ودائمة.. فالحكم الذى يطرد أكثر من لاعب من فريق واحد أو يحتسب ضربة جزاء فى نهاية مباراة أو يحتسب وقتا ضائعا أكثر من خمس دقائق هو بالضرورة حكم ظالم وفاسد..
كما أن جماهير الأهلى والزمالك الآن ليست على استعداد لقبول خسارة أو تعادل فريقها إلا نتيجة فساد التحكيم الذى هو أيضا سبب فوز الفريق المنافس.. كأن الناديين الكبيرين لا يخسران إلا نتيجة الفساد أو يحتاجان لهذا الفساد للفوز فى بقية مبارياتهما حتى آخر الموسم.. فكل ذلك نتيجة التطرف الذى أفسد كل شىء فى مصر اليوم.. الأفق الضيق ورفض الآخر واغتياله المعنوى أو الجسدى والهوس الجماعى بحرق وتدمير كل شىء.