x

مي عزام القاتل الطليق.. (أين الحقيقة؟) «1» مي عزام السبت 28-05-2016 21:47


ماذا يحدث في مصر؟

ربما تتصورون أن السؤال بسيط، يمكن لأي شخص أن يتصدى لإجابته فيحكي ما يعرفه، سواء شاهده بنفسه أو قرأ عنه في الصحافة أو شاهده في التليفزيون، لكن فجأة يتحول كل خبر إلى منطقة نزاع وميدان حرب، فتصبح الحقيقة هي الضحية المعلومة للجميع.

فعندما قرأت عن حادث وفاة مواطن في قسم الوايلي، كانت البداية تتحدث عن تجاوزات للشرطة مثلما حدث من قبل في أقسام ومراكز شرطة متعددة أشهرها «قسم المطرية»، وهذا يعني أن وزارة الداخلية فشلت في علاج ظاهرة المعاملة العنيفة خارج القانون في المناطق التي تخضع لسيطرتها مثل الأقسام والمراكز والنقاط والسجون وأماكن الاحتجاز.

أظنكم لاحظتم أنني استخدمت عبارة «المعاملة العنيفة خارج القانون» بدلا من مصطلح «التعذيب» لأنه مصطلح هجومي سيئ السمعة وصدامي بالنسبة لوزارة الداخلية، وهذا معناه أنني لا أكتب للتحامل، بل لفهم الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه «الحوادث الفردية».. وقد وضعتها بين قوسين لأنني أتحفظ طبعا على أنها حوادث فردية، والأهم من فهم الأسباب هو فهم سر السكوت عن هذه الخطيئة الإنسانية، والسعي لتبريرها كلما حدثت، فقد أصدرت الداخلية بيانا قالت فيه إن المحتجز القتيل (حسين فرغلى) كان قد اختطف مواطناً يدعى أيمن جودة، شقيق مالك العقار، وائل، إثر خلافات سابقة حول القيمة الإيجارية لورشة، ولما انتقلت قوة من القسم سمعت صوت استغاثة من الورشة، وتفاوضت مع مرتكب الواقعة لكنه بدأ بالتعدي على القوات، مما أدى لحدوث اشتباك، نجم عن ذلك إصابة المدعو حسين فرغلى، وبعض التلفيات بإحدى سيارات الشرطة، ثم تمكنت القوة من إطلاق سراح أيمن، وتبين إصابته بجروح وتم نقله إلى المستشفى للعلاج، والقبض على حسين فرغلى الذي شعر بحالة إعياء فور وصوله للقسم، وتم نقله على الفور لمستشفى دار الشفاء، إلا أنه توفى عقب وصوله.

وأكد بيان الداخلية أن الإجراءات كلها قانونية، وتم عرضها على النيابة العامة، لكن الغريب (والدهشة من عندي) أن النيابة قررت حجز ضابط مباحث القسم وسبعة من الأفراد على ذمة التحقيقات، لوجود كدمات وسحجات وجروح في جسد القتيل!

كم كنت أتمنى أن يصدق بيان الداخلية، لأنه بيان رسمي من وزارة في حكومة دولة تسعى للاستقرار، وتحارب الإرهاب بعد ثورتين شعبيتين، لكن الصحافة قامت بدورها في استطلاع القصة الحقيقة من مختلف الأطراف، وظهر التناقض واضحا بين شهادة أهل القتيل وجيرانه، وبين بيان الداخلية، كأن هناك طرفين متخاصمين (الحكومة والشعب) كل منهما يرى أي حدث من وجهة نظره، ويحاول تفسيره بمنظور مختلف وأحيانا معاكس، بل ويبدو أن كلا منهما يتجنى و«يتبلى» على الآخر، وإن كان المنطق والعقل والتفسير الواقعي يميل إلى جانب الرواية الشعبية، وملخص القصة أن القتيل فرغلي يؤجر ورشة في منزل اشتراه وائل جودة حديثا، وأراد الاستحواذ على الورشة، لكن فرغلي رفض العرض المقدم، فبدأت العداوة والتحرشات، التي استخدم فيها صاحب العقار علاقاته بأحد الضباط للضغط على المستأجر، حتى وصل الحال إلى ترتيب حادثة القبض عليه وإهانته وسحله في الشارع، وضربه بالهراوات، ورش مادة البيروسول على وجهه أثناء القبض عليه، وهي واقعة تكفي وحدها لإدانة شرطة تستخم البيروسول ضد المواطنين كأنها تتعامل مع صراصير وليس مع آدميين، كما أن هذه الشرطة حسب شهادة الأهالي استخدمت من قبل الترويع والابتزاز وتدخلت للضغط على المستأجر لصالح مالك العقار، وقام الضابط المتورط بتهديد القتيل وأسرته بتلفيق قضايا ضده.

الواقعة تبدو في شكلها فردية، لكن إذا وضعناها في نفس السياق مع وقائع أخرى مشابهة سيتبين لنا حجم الخلل المسىء للدولة كلها، وهو خلل بدائي لا يليق بالعصر ولا بصورة الدولة ولابد من مواجهته والبحث له عن حلول، أما التعامل معه، باعتباره أنه مجرد «حادث فردي» فإن ذلك الأسلوب هو نفسه جريمة تهرب، لا تفضي إلى محاسبة، ولن تساعد في إصلاح أداء الشرطة، كما حدث من قبل في قضية «قناص العيون» وقاتل شيماء الصباغ وقضايا قتل متظاهري ثورة يناير قبل ذلك كله، وهذا يعني أن هناك في مستويات الدولة العليا من يتستر على قتل الحقيقة، ويتواطأ في تهريب المتهمين من العدالة.

وهو ما سأتناوله غداً في مقال عن محاولات قتل الحقيقة في جريمة سيدة أبوقرقاص.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية