الشك يعيش معنا ويشهد أحاديثنا وجدالنا، ولقد لاحظت أننى أصبحت كثيرا ما أنهى حوارى مع شخص أختلف معه فى الرأى حول أحوال البلاد والعباد بجملة: «أقسم بالله العظيم أنى أحب البلد وأتمنى لها الاستقرار، ولكنى معترضة على سياسات السيسى، وخاصة تلك المتعلقة بحرية التعبير وحقوق الإنسان ولا أرى تناقضًا بين هذا وذاك».
هذا ما دفعنى للتفكير فى طريقة عملية تؤكد حبى للبلد، ولقد طرحتها على زميل عزيز أثق فيه وأقدره، وهو شخص له صلات واسعة بكبارات البلد وسكان الاتحادية، واقترحت عليه أن يقدم الفكرة لرئيس الوزراء يمكنها أن تجلب الملايين للبلد فى حال تطبيقها.
سألنى بلهفة: ما الفكرة؟
قلت: شهادة إثباب حبك لمصر.. يمكن عرضها للبيع فى كل فروع البريد المصرى عليها طابع تمغة بخمسة جنيهات، وفيها خانة لتوقيع اثنين من الشهود ومكان لختم النسر، ومدة صلاحيتها شهر واحد.
لاشك أن الشعب كله سيشتريها، وخاصة بعدما دخل الشك بين الشعب والأمن، وهذه الشهادة البيضاء ستنفعك بالتأكيد فى ليلة سوداء، عندما تعتقل مثلاً بسبب «بوست» معارض كتبته على «فيس بوك»، أو تغريدة على تويتر تمنع الرئيس من القيام بمهام منصبه أو تكتب دون أن تدرى مقالا يحرض على قلب نظام الحكم.. هذه الشهادة القيمة ستفيد الشارى وتمول مشاريع مصر، والإقبال عليها سيكون أكبر من فكرة «صبح على مصر بجنيه».
تجهم وجه زميلى ورد بفتور: دى فكرة تودينى فى داهية.
عندما وجدته رافضا عرض الفكرة على المسؤولين قررت أن أكتبها فى مقالى لعلها تجد طريقها للتنفيذ، وسأعرض عليكم موقفا تعرض له مجموعة من الشباب لو كانوا يحملونها لتغيرت الأمور:
صباح أول أمس (الثلاثاء) دخلت كعادتى كل صباح على صفحتى فى الفيس، لاحظت عددا من الإشعارات عن حدث واحد.. القبض على «خالد بسيونى» 17 سنة، ابن زميلتنا الصحفية فايزة هنداوى، فاتصلت بها لأطمئن على ابنها وأعرف حقيقة ما حدث، حكت لى من بين دموعها أن خالد تم القبض عليه مع ثلاثة من زملائه صباح الإثنين الماضى وتم ترحيلهم للنيابة.
لم أعرف ماذا أقول لها غير ربنا يفك سجنه، فخالد فتى لطيف أعرفه جيدا، كان من المشاركين فى ثورة يناير وهو صبى فى الثانية عشرة من عمره، يهتف معنا فى التحرير ويحمل لافتة «ارحل»، أنضجته الثورة مبكرا، حرص على النزول فى 30 يونيو ليعيد الثورة لمسارها الصحيح، وهو نفس الدافع وراء ما فعله بالأمس، فلقد استقر فى ضميره هو وأصدقائه أنه يفعل الصواب، فطبعوا ملصقات كتبوا عليها: تذكروا أن تيران وصنافير مصرية وستبقى مصرية، واختاروا محطة مترو «طرة» القريبة من سكن أحدهم ليعلقوا ملصقهم على جدرانها، بجوار ملصقات إعلانية متنوعة: سنتر للدروس الخصوصية، عيادة الطبيب...، وملصقات انتخابية لمرشحى قائمة «فى حب مصر».
قبضت شرطة مترو الأنفاق على الأربعة: خالد محمد، أيمن عبدالرحمن، أحمد محمد، وخالد بسيونى، من المعتاد فى مخالفات مثل هذه أن يدفع المقبوض عليه غرامة فورية ثم يذهب لحال سبيله، لكن هذه المرة تم اقتياد الصبية الأربعة إلى قسم شرطة طرة، ومن هناك إلى نيابة عرب المعادى فى سيارة ترحيلات ضحمة بها ثمانية جنود مسلحين لحراستهم، وسيارة شرطة تسير خلفها لتأمينها..!.
لهذه الدرجة تتعامل الشرطة مع هؤلاء الصبية باعتبارهم خطرا على الدولة؟!
أعتقد أن الباقى معروف... فسيجرى عليهم ما جرى من قبل على عدد كبير من الشباب الذى تم اعتقاله فى مظاهرات جمعة الأرض أو تظاهرات أخرى عبروا فيها عن رأى مخالف لسياسة الدولة.
لم أذكر هذه القصة إلا للتدليل على أهمية الشهادة، لو كانت فى محفظة كل شاب منهم مع بطاقة الرقم القومى لأثبتوا حبهم لمصر وإخلاصهم، وكانت الأجهزة ستتعامل معهم بالرأفة التى يتم بها التعامل مع أخطاء أحمد موسى الكثيرة.. الفرق بينهما أن الذكى أحمد موسى لا تفارق جيبه الشهادة المختومة بختم الحكومة.