يجب أن يخجل جميع المسؤولين في الدولة، صغيرهم وكبيرهم، من رئيس الجمهورية، إلى شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية، وأعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والدعاة نجوم الفضائيات، بسبب الحادث البشع، الذي جرى في قرية الكرم بمحافظة المنيا، حين تجمهر مئات (الرجال) ذوى الدم الحر والأخلاق الكريمة، وجردوا عجوزا من ملابسها وفضحوها في شوارع القرية، لمجرد انتشار شائعة بأن نجلها على علاقة بفتاة مسلمة.
يجب أن نشعر جميعاً بالعار، وألا نرفع رؤوسنا للمطالبة بالحرية والكرامة والمساواة، إذا كان أي مواطن عادى، بسيط، وفقير، قادر على أن يدوس بحذائه رأس جاره القبطى، وعلى أن يزدرى دينه، ويحتقره ويسخر من مقدساته، ثم ينصب هذا المواطن، الذي يدعى الإيمان بالله، ورسله، من نفسه خصماً وقاضياً وجلاداً في وقت واحد، فيعاقب سيدة عجوزا، لا حول لها ولا قوة، ويقوم بإذلالها غير خائف من أي سلطة في الدولة، أو أي لوم من كبير أو عاقل.
لا معنى لوجود الدولة إذا لم تحترم الدستور، الذي يسوى بين المواطنين، جميعاً، وإذا لم تقم هذه الدولة، بترسيخ مبدأ المساواة على الجميع، في الحقوق وفى العقاب، في الوظائف، وفى فرص الترقى الاجتماعى، وحينما تضعف هذه الدولة عن فرض القانون، ومنح الحقوق الدستورية لمواطنيها، فيجب أن نتأكد جميعاً، أن فضيحة الكرم، ستكون مجرد حلقة في مسلسل الفوضى والظلم، الذي سينقلب إلى احتقان طائفى.
ندعى جميعاً أن العلاقة بين عنصرى الأمة، المسلمين والمسيحيين، مثالية، والحقيقة أن الطرفين، يعيشان في عزلة عن بعضهما البعض، يكره كل منهما الآخر، ويقلل من معتقداته، وتحذر الأمهات أطفالهن من اللعب مع جيرانهم الأقباط والعكس صحيح أيضاً، وكل مدرس يلقن تلاميذه أن الأقباط ليسوا على الطريق القويم، ويؤكد أئمة المساجد أن الجنة للمسلمين وحدهم وأن النار مثوى الأقباط.
ويفرح المسلمون باعتناق قبطى الإسلام، ويعتبرون في الوقت نفسه تنصر أحدهم، مصيبة وجريمة تستحق إعدام صاحبها، دون وجود أي أساس من الدين لمعتقداتهم هذه، في اعتداء جماعى على حق الفرد في اختيار دينه، وشريكه في الحياة.
هذه البيئة، البغيضة التي تفرق بين البشر على أساس لم يرضه الله، يتحمل المسلمون، مسؤوليتها، وحدهم، لأنهم الأكثرية في هذا البلد، ويتحمل كبار العلماء ومنهم شيخ الأزهر والمفتى، النصيب الأكبر، منها، لأنهم لم يعلنوا بوضوح أن الدين لله وأن من شاء فليؤمن بالإسلام ومن شاء فليكفر به، دون أن يؤدى الكفر إلى انتقاص من حق صاحبه أو تقليل من شأنه في المجتمع.
وإذا لم يقل شيخ الأزهر وغيره من العلماء، بأنه ليس من حق أحد، أن يظلم آخر، باسم الله والإسلام، فأرجوه أن يريح نفسه وأن يلغى ما يسمى الحوار بين الأديان، وأن يتبنى دعوة لطرد الأقباط من جميع بلاد المسلمين، حتى لا نضطر باسم الله والدين إلى أن نظلم ونقهر، ونعتدى على غيرنا من البشر.
جميع من تورط في هذه الجريمة البشعة من أهالى الكرم، لا يستحقون، احتراماً ولا شفقة، من مد يده على ملابس السيدة الكريمة، ونزعها، ومن شجع على هذه الفعلة الحقيرة، ومن شاهدهم وصمت رضاً، منه وتأييداً، ومن سار في موكب العار، ومن سعدت نفسه المريضة بإذلال هذه الأم، يجب عقابهم فوراً، على الأقل بنفس السرعة التي تم الزج فيها بشباب تيران وصنافير في السجون.
منذ سنوات طويلة والقانون غائب، في أي نزاع بين شخصين أو أكثر، يكون أحد طرفيه قبطيا، حتى لو كان النزاع على أرض أو بسبب خلافات الجيرة أو غيره من الأسباب، التي تحدث بين أي شخصين، إذ يتم تحويل الأمر إلى جهاز أمن الدولة، في ذلك الوقت، رغم أن المسألة لا تستعدى سوى اتخاذ الإجراءات القانونية المعتادة، ولكن لأن القانون كان يأخذ إجازة في بعض الأمور، فتعود الجميع على أن للأقباط شأنا خاصا، أليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.
لا تضم الدرجة الثانية في مصر، الأقباط وحدهم، ولكنهم جيران لأبناء الفقراء من الزبالين والفلاحين والعمال، والبوابين، وغيرهم، بشكل أصبحت فيه الدرجة الثانية، بلداً ثانيا، في مصر، وطن التفرقة، والألم، وقلة الكرامة.
هذا الحادث البشع، على جميع المستويات، الإنسانية والأخلاقية، والدينية، يستحق أن تقف الدولة على قدميها، وأن يتم التحقيق في الموضوع، وعقاب المتورطين فيه بحسم، وشدة، وأن يتم التأكيد على أن جميع المواطنين سواء، لا فضل لأحدهم على آخر، وأن الدولة لا تتعامل بوجهين أمام مواطنيها، وأتمنى وليس في التمنى عيب أو جريمة أن يقدم شيخ الأزهر باعتباره أعلى مرجعية إسلامية في العالم، اعتذاراً للأم المهانة، وأن يقبل رأسها، وأن يعلن أمام الجميع أن الإسلام أهين عندما أهينت، وأن جميع المسلمين تعرضوا للفضيحة مثلما تعرضت، وأن يطلب منها السماح والغفران.
سيقول قائل وما دخل شيخ الأزهر، بالجريمة، سأقول له، إننى أشعر بالعار، وأشعر أنى أسير في الشوارع عارياً، أبحث عمن يسترنى، فما الحاجة لوطن، يشعر فيه شخص واحد، بأنه مسلوب الحقوق، لا أحد يحميه ويمكن أن ينتهك حقوقه وآدميته، فكرة حمقاء، يصدقها حمقى وأغبياء.
سأقول لمن قد يستنكر اعتذار الدكتور الطيب لعجوز قبطية، إنه سيتأسف لها لأن الثقافة الدينية، للمعتدين، هي واحد من الأسباب التي دفعتهم لارتكاب هذه الجريمة الإنسانية، إلى جانب تأكدهم من هروبهم من الملاحقة بسبب سيادة دولة اللاقانون.
وأقول لأى مسلم، لا تغضب إذا قرأت في الأخبار وشاهدت على شاشات الفضائيات، جندياً إسرائيلياً يضرب فلسطينية أو يقتلها أو يجردها من ملابسها، أو هجوم متعصبين أوروبيين على مسجد، حتى لو حرقوا المصلين فيه، وهدموا المبنى على رؤوسهم، أو هجوم هنود على جيرانهم المسلمين، لأن الحقيقة لا تتجزأ، والأخلاق لم تكن يوماً بوجهين. [email protected]