x

عباس الطرابيلي حضرة ناظر.. البرلمان! عباس الطرابيلي الثلاثاء 24-05-2016 21:37


يبدو أن هناك من يخلط بين مهمة رئيس البرلمان.. ومهمة ناظر مدرسة ابتدائية، أو حتى كى جى وان!!. فما يفعله رئيس مجلس النواب يختلف تماماً عن هذه المهمة الشعبية الأولى.. فى أى دولة ديمقراطية.

والبرلمانات - يا سادة - ما نشأت إلا لتكون رقيباً على تصرفات الحكومات، وبالذات الرقابة على التصرفات المالية.. لأن البرلمان يعلم أن الحكومة تدير أموال الشعب، التى هى حصيلة ما يدفعه هذا الشعب من ضرائب ورسوم وجمارك.. فإذا رأى البرلمان أن الحكومة خرجت عن هذا الدور فإنه يطلق جرس الإنذار.. لينبه الحكومة - والشعب أيضاً - وإلا سقط البرلمان فى أول انتخابات جديدة، بعد ذلك.

ورئيس البرلمان - أى برلمان - يعرف أنه عضو - كأى عضو - فى هذا البرلمان.. والأعضاء «هم» الذين اختاروه رئيساً.. فإذا أخطأ أصبح لهم حق تغييره.. حتى ولو كان هو نفسه «مرشح الحكومة»!!.

وقد ترسخ الدور الرقابى للبرلمان فى مصر منذ البرلمان الأول الذى أنشئ أيام الخديو إسماعيل عام 1865، ولهذا كانت مناقشة موازنة الدولة فى مقدمة مهام المجلس، ومن هذا الحق اكتسب أعضاء البرلمان حق الرقابة على أعمال وتصرفات الحكومة المالية.

ولكن يبدو أن رئيس مجلس النواب الحالى، الدكتور على عبدالعال، نسى هذا الدور له وللبرلمان. ولذلك فهو يصدر فرماناً بمنع أعضاء المجلس من مناقشة الأوضاع المالية فى القنوات التليفزيونية ونسى رئيس المجلس أن هذه القنوات هى منبر من منابر الشعب، أى امتداد للسلطة التشريعية للبرلمان، بحكم أن الإعلام هو أيضاً سلطة شعبية، تعارف الناس على وصفه بالسلطة الرابعة.

وكأن رئيس البرلمان يريد أن يمنع نواب الشعب عن أن يعبروا عن رأيهم، هنا قد يقول قائل: للعضو حرية الكلام تحت قبة البرلمان، يقول فيه ما يشاء. ولكن هل تكفى الدقائق الثلاث التى حددها رئيس البرلمان نفسه للعضو، لكى يشرح فيها رأيه فى قضايا المال والاقتصاد؟. هنا يسعى العضو إلى النافذة الأخرى للسلطة الشعبية، التى هى الإعلام، ليشرح وجهة نظره.. ويوصل رأيه إلى السلطة.. خصوصاً أن الإعلام شبه محرم عليه أن ينقل «كل» ما يقوله العضو تحت البرلمان.. وكأن رئيس البرلمان هنا، بعد أن استخدم سلطته - تحت القبة - بتحديد مدة كلام العضو تحت القبة، يريد أن يسلب حق العضو فى أن يقول رأيه وأن يوصل هذا الرأى للسلطة التنفيذية وللشعب، من خلال الوعاء الآخر للديمقراطية، وهو الإعلام!!. هنا نقول لا.. بل ألف لا.

وواضح أن رئيس المجلس يريد أن يكمم أفواه النواب تحت القبة.. وأيضاً خارجها.. فماذا يبقى للبرلمان ولعضو البرلمان، اللهم إلا إذا كان رئيس المجلس ينفذ تعليمات صدرت له.. أو يريد أن يحوّل البرلمان إلى مجلس «موافقون».. ليزيد عدد الصامتين تحت القبة.. وعدد النائمين تحت القبة.. ولا يبقى تحت هذه القبة إلا المصفقون!!. ولذلك يتندر الناس على هذا المجلس، وعلى أداء رئيسه.. بل أداء البرلمان.. فهل لهذا ثارت الأمة المصرية.. لكى تحصل فى النهاية على برلمان شعاره: «لا أسمع ولا أتكلم.. ولا أرى»!!، لا يا سيادة رئيس البرلمان.

إذ نحن.. نحن الشعب السلطة الحقيقية التى تناقش وتدرس ثم تقرر.. لمصلحة كل الشعب المصرى.

وتذكرت - هذه الأيام - رؤساء برلمانات كانوا حقيقة ينفذون سياسة وتعليمات الحكومة الأعلى.. ولكنهم كانوا أيضاً يسمحون للأعضاء بالكلام، شاهدت ذلك - وعشت - أيام رؤساء برلمانات أمثال عبداللطيف البغدادى وأنور السادات.. وأيضاً رؤساء برلمانات من أمثال الدكتور رفعت المحجوب والدكتور لبيب شقير.. وأخيراً الدكتور فتحى سرور أطال الله عمره، ورغم أن الثلاثة الأخيرين ومعهم الدكتور صوفى أبوطالب، كانوا من أساتذة الجامعات.. إلا أنهم ما تعاملوا - أبداً - مع الأعضاء كأنهم طلبة عندهم فى الجامعات.

أما الدكتور على عبدالعال فإنه يتعامل مع الأعضاء الآن كما لو كانوا مجرد «تلامذة» فى المدرسة الابتدائية أو حتى ما دونها.. ولذلك يعمد إلى أسلوب حضرة الناظر فى تعامله مع الأعضاء.

■ ■ والمؤلم أن مصر الآن اقتصادياً ومالياً تمر بأخطر مرحلة من تاريخها المالى والاقتصادى.. ولا داعى أن نقول إن مصر تكاد تنهار مالياً واقتصادياً، فهل يخشى «حضرة الناظر» أن يكشف الأعضاء «عوراتنا المالية» علناً أمام الشعب.. ليكتشف الناس تخبط السياسة المالية للدولة، والأهم من ذلك عجزها عن مواجهة هذه الكارثة؟.

■ ■ ألا يكفى الأداء الحالى لرئيس البرلمان الذى يكشف إلى أى مستوى فقدنا ما كنا نحلم أن يتحقق على أيدى هذا البرلمان: ثالث أكبر مكاسب حققناها بعد ثورتى يناير ويونيو، وهل سنفقد ما كنا نحلم به من ثورة حقيقية، تماماً كما فقدنا ما ثار الشعب من أجله خلال ثورته عام 1919، وهل التاريخ يكرر نفسه.. وتتوالى خسائر هذه الأمة؟

■ ■ لا يا حضرة الناظر.. ولذلك نرفض الوصاية على هذا البرلمان حتى ولو كان ينفذ تعليمات عليا.. لأن مصر هى السلطة الأعلى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية