وصلتنى هذه الرسالة الكاشفة من القارئ «محمد فريد». إنها عن اختبارات الحياة التى لا تنتهى. الرسالة تحتوى على سؤال صعب. سؤال حاولت أن أجد إجابته فى مقتبل العمر ونجحت، ولكنى للأسف رسبت بعد ذلك. لا أدرى ما هو الحال عندكم؟ هل نجحتم حيث فشلت أنا؟ أم أنكم رسبتم مثلى! إجابة هذا السؤال تعتمد على رصيدك من الصدق مع النفس، لكننا بالتأكيد سنعرف الإجابة الحقيقية يوم القيامة.
من الأقوال الشائعة أن الناس يتحسنون كلما كبروا فى العمر. تجربتى تؤكد غير ذلك. فى البدء، فى أيام البراءة والصبا كنتُ أفضل بكثير مما أنا عليه الآن. كنت أصمد أمام الأسئلة الصعبة، ثم بالتدريج تنازلت. ثم أصبح التنازل عادة.
أنتم الآن لا تفهمون ما أعنى ولكنكم ستفهمون كل شيء بعد قراءة هذا الخطاب.
■ ■ ■
يقول كاتب الخطاب: «عندى أربعة أولاد. الصغير يفتتح المرحلة الثانوية والكبير تخرج بالفعل فى إحدى الكليات المرموقة التى دخلها رغما عنه بعد أن أفلتت منه كلية الطب لرفضه الغش فى سؤال النحو الصعب، بينما دخلها زميلاه اللذين غشا إجابة السؤال.
أولادى ربيتهم على الاستقامة. وعلمتهم أن الغش حرام ومن غشنا فليس منا. سألنى ابنى ألف مرة: لقد فعلت الصواب ولم أغش فضاعت عليّ الكلية التى تمنيتها بسبب درجة سؤال النحو! لماذا؟. من المؤسف أن ابنى رسب فى الكلية التى دخلها بحكم المجموع فى العام الأول.
«الامتحان صعب والأسئلة غير معتادة»، هكذا قال، وصمت قليلا ثم أردف: «أسئلة الامتحان تسربت فى الكورس فى حصة المراجعة الأخيرة والتى تكون فجر صباح يوم الامتحان. حبسهم دكتور الكورس حتى تبقى على الامتحان ربع ساعة، تكفى فقط للركض على الأقدام حتى دخول اللجنة. دكتور الكورس يمت بصلة قرابة لدكتور المادة».
■ ■ ■
فى الأعوام التالية حرص ابنى الكبير على البحث عن هذا النوع من الكورسات. بالطبع لم تكن هذه النوعية من الكورسات متوفرة فى كل المواد، ولكنه كان يحاول دائما العثور عليها.
■ ■ ■
بالأمس أنهى ابنى الصغير امتحاناته. اليوم الأخير كان فى مادة الرياضة. ووجدت والدته تصيح فيه: «لماذا لم تحضر المراجعة النهائية؟ أدفع لك نقود الدرس ثم تترك حصة المراجعة، وهى أهم حصة».
رد عليها ابنى الصغير بهدوء: «يا ماما المدرس يقوم بتسريب الامتحان فى حصة المراجعة. لذلك لا أحضرها».
سكتت والدته فى إحراج. أما أخوه الكبير فكان واقفا يصغى إليه. ثم قال فى سخرية:» آه طبعا. مش أنت اللى تحضر حصة المراجعة دى!».
تبادلت مع ابنى الكبير نظرة طويلة مشحونة بالمعانى. ثم همس وهو ينصرف: «بكره الأيام حتعلمه».
■ ■ ■
انتهى الخطاب. ولعلكم الآن فهمتم ما هى الأسئلة الصعبة. هذه هى اختبارات الحياة التى لا تنتهى. الاختبار ليس فقط الغش فى الامتحان، وإنما فى عشرات الأشياء الأخرى: المال والوظيفة والمكانة والنساء والإفلات من التبعات. إنه السؤال الصعب: هل ستهزمك المغريات؟ أم ستحافظ على الاستقامة؟
أنا فشلت وأعلم أننى فشلت إلا أن يتداركنى الله بتوبة قبل مماتى.
أتمنى لهذا الابن أن يصمد حيث تنازلت وأن ينجح حين فشلت أنا. يا إلهى من أجل صعوبة هذه الأسئلة يدخل الراسبون النار ويفوز الناجحون بالجنة.
الحياة اختبار فى منتهى الصعوبة وأحمق من يقول غير هذا.