ذهبت إلى صيدلية قريبة من سكني لشراء بعض الأدوية، فأخبرني مساعد الصيدلي المتواجد، بارتفاع الأسعار بنسبة 20% عن الأسعار القديمة، ولكنه أعطاني دواء مدون به الأسعار القديمة، فدار بيننا نقاش على ذلك وأخبرته بأنه يجب أن يعطي الدواء بالسعر القديم مادام لم يشتريه بالسعر الجديد، ولكنه أخبرني بأنها تعليمات صاحب الصيدلية، وهو ليس مسؤولا وإن كان مقتنعا بوجاهة هذا القول.
ولكن ليست المشكلة فيما يتحصل عليه الصيدلي من فائض ربح نتيجة لذلك القرار، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في نسبة الارتفاع في أسعار الدواء والمتمثلة في 20% من الأسعار القديمة، وما يمثله ذلك على عاتق القطاع الأعرض من الشعب المصري، والذي بات محاصراً في ظل ارتفاعات معظم السلع الأساسية، وفي مقدمتها السلع الغذائية، على الرغم من سكون دخول هذا القطاع عند حدود أصبحت لا تكفي والاحتياجات الضرورية اللازمة للحياة.
وإن كان هذا المقال معني بارتفاع أسعار الدواء، فلابد أن نوضح أنه لا يوجد تداوي دون دواء، ولا وجود لطب دونما علاج، فالدواء هو المقاوم الرئيسي والوحيد للأمراض حتى في ظل العلاجات الجراحية، فمن ثم يمثل زيادة أسعار الدواء بهذه النسبة المبالغ فيها، لا يتوافق وحقيقة دخول المواطنين المصريين، بما يمثل حرماناً من التداوي.
وفي ظل التزام الدولة الدستوري بمؤسساتها، أن لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة، حسب نص المادة 18 من الدستور المصري الحالي، فإن هذا الارتفاع يمثل إخلالاً بواجب الدولة تجاه أفرادها، لكونه يشكل حرماناً لهم من حقهم الدستوري في التداوي، فمن أين يتأتى للمواطن صاحب المستوى المحدود من الدخل «وهو القطاع الأغلب من الشعب» ما يواجه هذه الزيادة الكبيرة في أسعار الدواء، وهو من الاحتياجات الضرورية واللازمة لكل المواطنين؟ ومستوى دخل هذا القطاع لم يتحرك قيد أنملة للأمام. وهل يتبقى من دخل المواطن محدود الدخل ما يكفي لمواجهة مثل هذه الزيادة؟ أم أن الدولة بسلطاتها تتخلى طواعية عن التزام دستوري واقع على عاتقها ومتمثل في محافظتها على الرعاية الصحية للمواطنين، وأول مفردات الرعاية الصحية هو الدواء.
وإن كنت أعلم أن هناك العديد من شركات الأدوية التي تتملكها الدولة، إلى جانب شركات القطاع الخاص، فقد كان الأحرى بسلطة أن تبقي على أسعار الدواء إلى حين زيادة دخول الأفراد بما يكفي لمواجهة هذه الزيادة الكبيرة، أو على الأقل تكون الزيادة بنسبة بسيطة ولتكن 5% وليس بخمس قيمة الدواء، حتى ولو كان هناك تضرر من ارتفاع سعر عملات الصرف الأجنبي من الشركات المنتجة للدواء فإن نسبة 5% كانت تكفي ولو يتم رفعها بـ 5% أخرى على مراحل زمنية متفاوتة، على أن تقوم السلطة بمعالجة ذلك بطرق مغايرة، كزيادة معدلات الدخول، أو تبني صناعات وطنية للأدوية، مع أنه من المتعارف عليه أن هذه الصناعات من الصناعات ذات نسبة الربح المرتفعة، وقد يكون ذلك الحل التدريجي متماشيا مع التزام الدولة الدستوري بالحفاظ على الحق في الرعاية الصحية للمواطنين، خصوصاً أن قانون التأمين الصحي الشامل لم يزل في مراحله النقاشية الأولى ولم يدخل حيز النفاذ، ومن ثم فلا بديل أمام فقراء هذا الوطن إلا التخلي عن احتياجاتهم للدواء قدر المستطاع، وقدر ما يتوافق وحقيقة دخولهم المتدنية. أما أن هناك إرادة سلطوية في التخلي الكلي عن الفقراء وتركهم ومصيرهم مع هذه السياسات التي لا تعبر عن حالهم، أم أن الدولة قد وجدت وسيلة جديدة مستحدثة لتحديد النسل متمثلة في الموت كبديل عن الحصول على الدواء اللازم للتداوي.
وهذا ما يذكرني بقول الراحل / أحمد فؤاد نجم: هتقولي الفقرا ومشاكلهم... دي مشاكل عايزه التفانين، وأنا رأي نحلها رباني ونموت كل الجعانين،، وبهذا ما حدش هيجوع.. لو نعمل هذا المشروع.