x

محمد حبيب القتال والتحريض عليه! محمد حبيب السبت 21-05-2016 21:52


تثار أسئلة حول المرجعية التى تستند إليها التنظيمات الإرهابية، من أمثال «داعش» و«القاعدة» ومن لف لفهما، فى القتل وسفك الدماء.. وأعتقد أن موضوع القتال الذى ورد فى كثير من آيات القران، علاوة على التحريض عليه، يمثل أهم وأبرز الموضوعات، ومن ثم يحتاج الأمر منا إلى إلقاء الضوء عليه..

أبدأ فأقول: إنه لم يؤذن للمسلمين بالقتال إلا بعد هجرته (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، وبعد أن أصبح لهم دولة وجيش.. ويفهم من قوله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (الحج: ٣٩)، أن السبب الرئيسى فى السماح للمسلمين بالقتال هو الظلم الذى ذاقوا مرارته على مدى ١٣ عاماً، وهى الفترة المكية.. والحقيقة أن الظلم لم يتوقف حتى بعد هجرة النبى (صلى الله عليه وسلم)، فقد كانت هناك مناوشات كثيرة، فضلاً عن أن من بقى من المسلمين فى مكة، ولم يتمكن من الهجرة، ذاق من العذاب ألوانا.. لذا، يقول تعالى: «وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا» (النساء: ٧٥)..

وقد يفهم البعض من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ» (الأنفال: ٦٥)، أنه لم يكن هناك عمل للنبى (صلى الله عليه وسلم) ولا للمؤمنين غير القتال.. وهذا فى الواقع فهم مغلوط.. إن الأحكام فى الإسلام تكون مرتبطة بأسباب، يطلق عليها «أسباب النزول»، وتفهم فى سياقها الوارد فى كتاب الله أو فى سنة رسوله، كما أنها تتنزل لمواجهة مشكلة أو معالجة أزمة، وهكذا.. فليس من المعقول أن يعد العدو عدته ويأتى بخيله وخيلائه ليعتدى على المسلمين، ويستبيح حرماتهم ومقدساتهم، وهم قاعدون فى بيوتهم لا يحركون ساكنا..

نعم إن القتال أمر مكروه ليس عند المسلمين فحسب، وإنما عند الكثير من الشعوب، إذ لا يحب الحرب إلا كل غاصب معتد، أو من كانت له أطماع خبيثة فى ثروات وموارد الآخرين.. لكن هناك حالة يتغير فيها الوضع كلية، كما يشير المولى تعالى فى قوله: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» (البقرة: ٢١٦)..

وهو معنى يجب أن نتوقف عنده ونتأمله جيدا.. فكراهية القتال إذاً وقفت عائقاً عن مواجهة المعتدين، فبئست هذه الكراهية، لأنها لن تجلب إلا الفتن والشرور، مصداقاً لقوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (الأنفال: ٣٩).. فى مثل هذا الحال لا يكون القتال مطلوباً فحسب، بل مفروضاً أيضاً، شريطة ألا يتجاوز حد إيقاف العدوان.. يقول تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: ١٩٠)..

تروى كتب السيرة أنه فى العام الثانى للهجرة، علم النبى (صلى الله عليه وسلم) بخبر قافلة أبى سفيان القادمة من الشام، فخرج ومعه حوالى ٣١٤ رجلاً من المؤمنين لملاقاتها، وذلك بهدف إضعاف قوتهم المالية، فيكون ذلك أدعى لخذلانهم فى ميدان القتال الذى لابد أن يكون، لأن قريشاً لم تكن لتسكت عمن سفه أحلامهم وعاب عبادتهم، خاصة وهم قدوة العرب فى الدين (!).. وهم فى الطريق، جاء الأمر من الله تعالى أن يغيروا وجهتهم لقتال طواغيت قريش الذين أرسل إليهم أبوسفيان يستنفرهم فجاءوا بقضهم وقضيضهم لقتال المؤمنين..

والذى حدث أن بعض المؤمنين كانوا كارهين لذلك، وقالوا إنّا لم نخرج فى الأصل لقتال.. فنزل قوله تعالى: «كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ (اى فى القتال) بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ (أى الظفر بالقافلة) تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» (الأنفال: ٥- ٨)..

فى هذا الجو، صدر الأمر للنبى (صلى الله عليه وسلم) بتحريض المؤمنين على القتال.. إنه لابد من شحذ الهمم، وتقوية الإرادة، وشرح الصدور، وتحفيز القلوب على ملاقاة أعداء الله تعالى..

وكانت معركة بدر الكبرى فى اليوم السابع عشر من رمضان، والذى سمى بيوم الفرقان، يوم التقى الجمعان.. وفى هذه المعركة جرت آيات كثيرة تحدثت عنها سورة الأنفال تفصيلا.. وفيها نزلت الملائكة تقاتل مع المسلمين جنباً إلى جنب.. يقول تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ» (الأنفال: ١٢).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية