نتابع جميعاً لحظة بلحظة الحادثة المأساوية لتحطم طائرة مصر للطيران التي كانت متوجهة فجر أمس من مطار شارل ديجول في فرنسا إلى القاهرة، وكلنا حزن على الضحايا من ركاب تلك الطائرة وطاقمها من الأبرياء، وفى نفس الوقت كلنا ثقة أن مصر ستستطيع اجتياز الأزمة رغم كل الظروف، فنحن شعب لا تزيده الأزمات إلا صلابة وإصراراً.
[لا سبب واضحاً لسقوط الطائرة حتى الآن].. هذا هو العنوان الرئيسى للمرحلة، وكل ما عداه هو محض تكهنات وتوقعات لا تستند لدليل، ورغم ضبابية المشهد وفجاعة الحدث فإن الأجهزة المعنية تعمل بيقظة ودأب من أول لحظة، وتمت إدارة الأزمة بشكل جيد للغاية، دون تسرع أو ارتباك، وإنما بإدارة واثقة معتمدة على الحقائق والمعلومات.
بالتوازى مع جهود الأجهزة الرسمية في كشف ملابسات الحادث، والوقوف على الأسباب الحقيقية لسقوط الطائرة، انطلقت حملات شعبية كثيرة لدعم الدولة في الأزمة، والانتصار لمكانة مصر، وهى بطبيعتها حملات تغلب عليها العاطفة، ومن بين تلك الحملات استوقفتنى حملة دعم شركة مصر للطيران.
الحملة وطنية ومهمة بلاشك، ولكنى لا أحبذ هذه المبالغة فيها، لأنها تضعنا في موقف دفاعى، وتجعلنا نؤكد الاتهام بأنفسنا، وهذا يخدم ما يريده غيرنا، فأنا كمواطن لم أسمع عن أولئك الذين اتهموا مصر للطيران بالتقصير أكثر مما سمعت من الذين يدافعون عنها.
وهذا أمر يكشف عن أننا ربما نخضع لابتزاز الحرب النفسية التي توجَّه إلينا، لتشغلنا عن البحث بدقة في الأسباب الحقيقية، ونبدأ في اتخاذ مواقف دفاعية لا مبرر لها، في حين أن التحقيق لايزال جارياً، ولم يتضح بعد أي سبب لسقوط الطائرة، سواء بعمل إرهابى أو عطل فنى.
أعرف أنه في الأزمات قد يسارع أحد الأطراف بإلقاء الاتهامات على الطرف الآخر، وإطلاق الأحكام بما يخدم مصالحه الخاصة، بل يبدأ في استغلال الأزمة سياسياً، كما حدث معنا في حادث إسقاط الطائرة الروسية، فقد رأينا معظم الدول تبادر بالقفز إلى نتيجة أن العمل إرهابى، بل إن كثيراً من الدول سارعت بعدها بإيقاف رحلاتها الجوية إلى مصر، وحتى اليوم ونحن نعانى من تبعات هذا الحادث الأليم.
أما نحن، بهذه الطريقة الدفاعية في التعامل مع الأزمة، فإننا نوظف الحادث سياسياً ضدنا، وفى الحقيقة لا يوجد أي مؤشر لاتهامنا، وإنما نقوم بذلك متطوعين، بدلاً من أن نبحث عن الحقيقة، أو حتى نحاول استغلال الموقف سياسياً لصالحنا، كما يفعل غيرنا، بأن نكشف ازدواجية المعايير الدولية بين التعامل مع هذه الحادثة وحادثة الطائرة الروسية، ونوصل صوتنا للغرب والشرق، ونضعهم أمام أنفسهم في التناقض في المواقف بين الحادثتين، وهل سيتعاملون مع فرنسا كما تعاملوا مع مصر؟ وهل سيقطعون رحلات الطيران عنها؟ وهى كلها أسئلة مشروعة.
ومن الغريب أن الجميع في بداية الحادثة كان يُرجِّح العمل الإرهابى، أو على الأقل لا يستبعده، وخرجت أصوات تؤيد هذه الفرضية من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر، ولكن من الأمس إلى اليوم خفتت فجأةً تلك الأصوات، فهل ماكينة الإعلام الدولى يمكنها أن توجه أولويات القضايا إلى هذا الحد.
إذن، فلنتروَّ، ولا نأخذ مواقف انفعالية قد لا تكون في صالحنا، ولا نُعْطِ الأمور أكبر من حجمها، ونخدم أجندة أولويات غيرنا، فنحن لسنا متهمين في الأساس، فكل السيناريوهات حتى الآن مفتوحة، وطالما أن نتيجة التحقيقات لم تظهر بعد فجميع الاحتمالات متساوية.
وأرى أنه بالتوازى مع إدارة الأزمة رسمياً، يجب أن تضع الدولة في اعتبارها قواعد لإدارة الأزمة شعبياً، حتى لا يتم توجيه الرأى العام في اتجاهات تخدم الخصوم، وإنما يتم توعيته ليتبنى القضايا التي تدعم موقف الدولة الرسمي.
حفظ الله مصر وشعبها الأصيل.
[email protected]