لم يعد من الممكن أن يمرّ أسبوع دون أن تحدث مشكلة كروية كبرى دون أدنى سبب معروف سوى أن بعض الجهلاء والمدسوسين على الإعلام الرياضى يريد أن يشعل ناراً لا تنطفئ أبداً، ويحاول بكل ما أوتى من قوة أن يجعل له مشاهداً أو قارئاً فتجده يخترع قصصاً وروايات من نسج خياله، أو يدق على وتر قديم قتلناه بحثاً، أو يعيش فى دور المدافع الأول عن هذا النادى أو ذاك، بحثاً عن جماهيرية زائفة فتكون النتيجة ناراً فوق الزيت واشتعال نغمة التعصب من جديد، وأسوق لكم بعضاً من الأمثلة المضحكة التى لا تحدث سوى فى مصر، مثلاً قضية نادى القرن التى مرّ عليها 16 سنة بالتمام والكمال وتكلّموا فيها وقالوا كل ما يمكن أن يقال، فجأة نجد أحد الإعلاميين يفتح ملفها من جديد ويؤكد أن الزمالك هو نادى القرن بما لا يدع مجالاً للشك ويهاجم الأهلى هجوماً شرساً وضارياً، لا لشىء إلا لمحاولة استرضاء فئة معينة من الجماهير تتأثر بما يقوله، فتدخل على الصفحات لتسبّ وتلعن فى الأهلى فينتفض الأهلاوية ليردوا عليهم وتمتلئ الصفحات هنا وهناك بأقذع ألوان السباب والتطاول لمجرد أن السيد المبجل أراد أن يثبت لجماهير ناديه أنه يدافع عن قضيته وألوانه وأنه حامى الحمى، والحقيقة أنه يوماً تلو الآخر يؤكد أنه ومن على شاكلته هم وقود الفتنة والسبب الأول لحالة الاحتقان التى يعانى منها الوسط الكروى.
ونموذج آخر لُمشعِلى الفتنة ومروّجى الشائعات، أحدهم نصّب نفسه، وبكل أسف بدعم من قيادات كبيرة فى النادى الكبير، مدافعاً وحامياً للحمى عن النادى والكيان، فحوّل القناة والبرنامج إلى مستنقع من الجهل والتخلف الإعلامى بنشر الفتن والمؤامرات واختلاق روايات عن لاعبى الفريق المنافس تقلل من قدرهم وتحطّ من شأن ناديهم ويظل على أسلوبه فى اختلاق الأكاذيب التى لا يمكن أن يصدقها مجنون، ولكنه يعلم تماماً أن رسالته مقصود بها المهاويس والموتورون، فتكون النتيجة مدرجات مشتعلة فى التدريبات وأيضاً محاولات مستميتة لاقتحام المدرجات فى بعض المباريات، لدرجة أن الفريق خسر خسارة مدوية ومهينة فى إحدى المباريات بسبب تسخينه للجماهير الموتورة الخارجة عن النص، والغريب أنه بعدها يخرج ليلوم على استحياء هذا السلوك، ولعل المتابع للمباريات الأخيرة فى الألعاب الأخرى بعيداً عن كرة القدم سيجد أنه نادراً ما اكتملت مباراة واحدة فى الكرة الطائرة أو كرة السلة أو كرة اليد، بل إن بعضها كاد يتحول إلى معارك ضارية لولا فقط ستر الله.
والغريب أنك تجد بعض الأقلام والبرامج تظل تصرخ، ليل نهار، مطالبة بعودة الجماهير دون أن تفهم أو تعى شيئاً ودون أن تكلف نفسها عناء البحث عن عدد حالات الشغب التى عشناها خلال المباريات الأخيرة التى تجاوزت كل أحداث الشغب بكثير فى تاريخ مصر كلها، والغريب أيضاً أن أحداً لم يكلف نفسه بفكرة إيجاد الحلول العلمية والعملية لإيقاف هذه الظاهرة التى أجد أن أولها هو إيقاف أى برنامج يدعو إلى التعصب ويحض على الكراهية ويزرع الفتنة بين الجماهير، وحتى الضيوف الذين اشتهروا بالتعصّب والخروج عن النص أرى أيضاً أن دورهم قد انتهى،
وأن عليهم أن يبحثوا عن مجال آخر يتاجرون به وفيه، فنحن لم نعد فى حال يسمح أبداً باستمرار هذه المهزلة، وصدقونى هذه هى البداية الحقيقية لوقف فتنة التعصب التى ستأتى على كل شىء فى الرياضة المصرية، طالما ظلّت هذه الوجوه الكريهة تطل علينا، سواء عبر البرامج أو بعض الصفحات، لتنشر الفوضى والكراهية بين الجماهير، ولعل أشد ما يدهشنى هو أن مصير البطولات فى مصر يكون شبه معروف، عكس مثلاً إسبانيا أو إنجلترا أو إيطاليا، أو بلاش نذهب بعيداً، نتكلم عن الإمارات والسعودية التى تشتعل فيها المنافسات للحظات الأخيرة من المسابقة، ومع ذلك قلّما تجد حادثاً واحداً خارج أو داخل أرض الملعب، والسبب واضح: أن هناك قانوناً ونظاماً وضعوه واحترموه، فجنوا ثماره فى النهاية بمسابقة محترمة وتنافس شريف وجماهير عريضة ونجاح ساحق، أما نحن الذين علّمنا العالم العربى أجمع وأفريقيا أيضاً كرة القدم، فقد تراجعنا بعنف للخلف آلاف الخطوات ولم نعد قادرين حتى على تحديد نقطة البداية من جديد، لأننا تركنا الأمر يفلت من بين أيدينا، واسمحوا لى بأن أكون أكثر واقعية ووضوحاً، فأتكلم عن إخراج المباريات فى معظمها والتصوير الذى أصبحنا جميعاً نعانى منه ونعرف اسم المخرج من خلال اللقطات للرئيس الفلانى أو المسؤول العلانى، والذى حتماً ولابد أن تأتى الكاميرا عليه أكثر من اللاعبين فى الملعب لأسباب يعلمها الجميع،
وللأسف الشديد لا يوجد حساب أو حتى سؤال عما يحدث من إهمال شديد للصورة فى الملعب والخروج عن النص كاملاً، ولا أحد يحاسب أو يسأل، بل إن فى بعض المباريات لا ترى سوى وجوه تعرفها الآن أكثر من اللاعبين يتم التركيز عليها وكأنهم لاعبون أساسيون فى الفريق، وهذه أيضاً من أهم أسباب الفتنة، فبعضهم وبكل أسف يركز فى المباريات القليلة التى تحضرها الجماهير على فئة محددة بشماريخهم وألعابهم النارية وخروجهم الدائم على القانون بمباركة من المسؤولين عنه، وهو ما يسبب أيضاً احتقاناً شديداً عند باقى الجماهير.
أعود من جديد لأؤكد أن أسباب التعصب معروفة ومعلومة للجميع، وأن القضاء عليه أو الحد منه ممكن بشرط الحزم فى تطبيق القانون والشدة مع المخالفين والبدء بكبار المتعصبين الذين ملأوا الدنيا صراخاً وإزعاجاً، وآسف إن قلت وقتلاً ودماراً.