يعرض فى مسابقة «نظرة خاصة» للأفلام الطويلة هذا العام فيلمان من إسرائيل. وقد رأت إدارة المهرجان أن تعرض الفيلم الإسرائيلى «أمور شخصية» أول فيلم روائى طويل من إخراج مها حاج (46 سنة) التى ولدت فى الناصرة بعد عرض الفيلم المصرى «اشتباك» إخراج محمد دياب فى افتتاح المسابقة.
وإذا كانت الهوية القانونية للفيلم إسرائيلية، فإن الهوية الثقافية فلسطينية، ليس فقط لأنه ينطق بالعربية، وإنما لأنه عن أسرة فلسطينية مسيحية من الناصرة من العرب الذين بقوا فى بلادهم بعد إنشاء إسرائيل. وقد حصل الفيلم على دعم من الصندوق الإسرائيلى الحكومى، واتخذت إدارة الصندوق قراراً بنسبة أى فيلم يحصل على هذا الدعم إلى إسرائيل حتى لو كانت هويته الثقافية فلسطينية.
وليس من المنطقى لوم الصندوق على هذا القرار، وإنما لوم الصناديق العربية التى ترفض دعم أى فيلم يحمل مخرجه الفلسطينى الجنسية الإسرائيلية، مثل كل العرب الذين بقوا فى بلادهم، والذين يعرفون باسم «عرب 48»، بينما الصحيح أن يسمى اليهود الذين جاءوا إلى فلسطين وأقاموا دولة إسرائيل «يهود 48». إن هذا الموقف الأحادى السطحى يعنى أن الفنان الفلسطينى الذى يحتاج إلى الدعم لا يملك إلا أن يعرض فيلمه باسم إسرائيل.
الهوية الثقافية
الهوية القانونية لأى فيلم حقيقة مادية مؤثرة على المعالجة الدرامية والرؤية الفكرية، فشروط إنتاج فيلم فرنسى مثلاً تختلف عن إنتاج فيلم أمريكى أو سنغالى. ولذلك فإن السؤال إلى أى مدى عبر فيلم «أمور شخصية» عن الهوية الثقافية الفلسطينية رغم أنه إنتاج إسرائيلى. وبالطبع فإن الصندوق الإسرائيلى بدعم الفيلم، ومهرجان كان باختياره للعرض فى «نظرة خاصة»، يعنى أن سياسة الصندوق الحكومى تستهدف أن تصبح صورة إسرائيل فى العالم الدولة «الديمقراطية» التى تدعم الأفلام العبرية والعربية معاً. ولكن الفيلم جاء من دون هوية ثقافية، لا إسرائيلية ولا فلسطينية، فمن الممكن أن تدور أحداثه فى أى زمان وأى مكان رغم أنه يدور فى الناصرة ورام الله فى الزمن الحاضر.
بين الناصرة ورام الله
كتبت مها حاج سيناريو الفيلم (90 دقيقة) الذى صوره إيلاد ديبى بالألوان، وقامت بالمونتاج فيرونيك لانج.
الأسرة مكونة من الأب صالح (محمد شوادى) والأم نبيلة (سناء شوادى) اللذين تجاوزا السبعين، ويعيشان فى منزلهما فى الناصرة، ولهما ثلاثة أبناء، ولدان وبنت فى عمر الشباب: هشام الذى يدرس فى السويد، وطارق (دريد ليداوى) الكاتب المسرحى، وسارة اللذان يعيشان فى رام الله، وتنتظر سارة طفلها الأول من زوجها جورج (أحمد هليل). ويتبادل طارق الحب مع مايسة (مايسة عبدالهادي) الطالبة فى جامعة بير زيت.
وجود الأسرة بين الناصرة ورام الله والسويد لا يعبر عن خصوصية الشتات الفلسطينى، فمن الممكن أن يحدث هذا لأى أسرة فى إسرائيل أيضاً أو غيرها من البلاد. ومشاهدة الجدة العجوز، والدة جورج، لمقاطع من أغنية لأسمهان فى التليفزيون، وإذاعة مقاطع من غناء سيد درويش وفريد الأطرش على شريط الصوت، لا يكفى للتعبير عن خصوصية الثقافة الفلسطينية، وهذه الأغنيات معروفة أيضاً لدى الكثيرين من يهود إسرائيل.
افتقاد الإقناع الدرامى
مشكلة الفيلم معالجته الدرامية، فكل الشخصيات وكل المواقف غير مقنعة. الأب مستغرق فى التطلع إلى شاشة اللاب توب، وكل ما ينطق به أوامر لزوجته لإعداد الطعام أو القهوة أو فعل هذا أو ذاك. والأم مستغرقة فى عمل «التريكو»، وتستجيب لأوامر زوجها ببرود حتى يبدوان فى حال من الكراهية العميقة من دون أى مبرر. والغريب أنهما لا يعبران عن حب كل منهما للآخر إلا فى مشهد النهاية الذى يدور فى السويد عندما يوجه لهما ابنهما الدعوة لزيارته وقضاء إجازة!!
ونحن لا نعرف شيئاً عن طارق سوى أنه كاتب مسرحى، ولكن لا نعرف ماذا يكتب، ولا نراه فى أى مسرح. وتبدو مايسة فتاة محافظة إلى أبعد الحدود حتى إنها تثور ثورة عارمة على طارق عندما تتوجه معه فى سيارته إلى القدس ويقول للشرطى أمام حاجز أمنى إنها «صديقته». وتصل ثورتها إلى حد الخروج من السيارة وعبور الحاجز، فيتم القبض عليهما.
ولا تدرى لماذا اختار طارق ومايسة الذهاب إلى القدس يوم زيارة أوباما لإسرائيل! ويصل الفيلم إلى ذروة السخف عند التحقيق معهما فى قسم الشرطة، ثم حبسهما فى زنزانة حيث يرقصان التانجو فى مشهد طويل. وكل المناظر الداخلية والخارجية فى الناصرة ورام الله تبدو وكأن أحداثه تدور فى فنلندا أو إحدى دول شمال أوروبا الأخرى، وبما فى ذلك مكتب التحقيق فى قسم الشرطة والزنزانة التى تتم فيها رقصة التانجو، فضلاً عن تعارض الرقص مع شخصية مايسة المحافظة.
ويحلم جورج بمشاهدة البحر والسباحة فيه وكأنه لا يعيش فى بلد يطل على البحر المتوسط. ويتحقق حلمه على نحو شديد الافتعال عندما تشاهده سينمائية أمريكية تصور فيلماً فى حيفا بالصدفة فى الشارع، وتعرض عليه التمثيل فى فيلمها صباح اليوم التالى. وفى الطريق إلى حيفا يشاهد البحر، فيهرع نحوه لكى يسبح.
ومن الناحية الفنية البحتة يفتقد الفيلم إلى وحدة الأسلوب حيث يبدو الاختلاف كبيراً بين المشاهد الداخلية والخارجية وكأنها من فيلم آخر من حيث الإخراج والتصوير والمونتاج. «أمور شخصية» عن بلد «خيالى» لا يعانى من أى مشاكل سواء كان يسمى إسرائيل أو فلسطين!!
أخبار وأصداء
■ 6 دول عربية تشترك بانتظام فى سوق الأفلام التى تنعقد أثناء المهرجان.
من المغرب العربى، تونس والمغرب باسم المركز الوطنى للسينما فى كل منهما، والجزائر باسم الوكالة الجزائرية للسينما.
ومن المشرق العربى، لبنان باسم هيئة السياحة، والأردن باسم الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، والإمارات باسم مهرجان دبى السينمائى الدولى.
■ تشترك مصر أحياناً، ومنها هذا العام، من خلال 5 مؤسسات، هى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وشركة السبكى، وشركة فيلم كلينك، ودار عرض «زاوية»، وشركة «ماد سيلوشانز» التى أقامت «مركز السينما العربية» فى موقع متميز، وأصدرت العدد الأول من مجلة «السينما العربية» بالإنجليزية.
ويتميز العدد بنشر معلومات دقيقة عن صناعة السينما فى كل الدول العربية ماعدا سوريا واليمن وليبيا والصومال وجيبوتى وجزر القمر.
■ يُعرض فى السوق من مصر فيلمان فى برنامج سوق مهرجان دبى، وهما الفيلم الروائى الطويل «الماء والخضرة والوجه الحسن» إخراج يسرى نصر الله، والفيلم التسجيلى الطويل «الأسماك تقتل مرتين» إخراج أحمد فوزى صالح.