x

عبد الناصر سلامة .. والفلاحين مشكلتهم إيه معاكم؟ عبد الناصر سلامة الجمعة 13-05-2016 21:30


الصحفيون، وقلنا دول ولاد ستين فى سبعين، بيعملوا مظاهرات، وبيستضيفوا المتظاهرين، وبيشتغلوا فى السياسة، وبيتكلموا كتير، ومش عاجبهم حاجة، وبينتقدوا عمّال على بطّال، وفاقسين اللعبة، فيهُم اللى بيقول دا كان انقلاب، واللى بيقول على المشروع إياه بتاع القناة فنكوش، واللى بيقول تيران وصنافير مصريتان، واللى بيقول عليه العوض فى النيل، هانموت من العطش قريباً، واللى بيقول عليه العوض فى حقل الغاز اللى أخذته قبرص، واللى بيقول فيه شغل غريب بيحصل مع إسرائيل، واللى بيقول فيه حاجة غلط فى سيناء، واللى بيقول مش شايفين أى أفق يبشر بالخير، واللى بيقول إن الجنيه ذهب مع الريح، واللى بيتكلم فى ارتفاع الأسعار، واللى بيتكلم عن الفساد.

بصراحة يستاهلوا اللى يجرا لهم، اعتقلهم، اقتحم عليهم النقابة، سلط عليهم الشرفاء خريجى السجون، وجيل النكسة بتوع المعاشات اللى بيصححوا المسار، والمجموعة بتوع التوك شو، ومعاهم الخبراء الاستراتيجيين بتوع الليل وآخره، علشان فى النهار بيبقوا رجال أعمال، أراضى ومشروعات والذى منه، والتلويح بوقف الـ١٤٠٠ جنيه بتوع الحكومة، وفرض الحراسة، واقفل الشارع بتاع النقابة، وبالمرّة محطة مترو السادات، من الآخر: الصحفيين يستاهلوا.

السؤال بقى، إيه اللى عملوه الجماعة الفلاحين علشان نعاقبهم إلى الحد الذى لا يستطيعون معه توريد محصول القمح؟.. طول عمر مصر مشكلتها القمح، كنا بنستورد ثمانية أرغفة من كل عشرة، إنتاجية الفدان والحمد لله زادت، والناس أقبلت على زراعته، والدولة وعدت بـ ٤٠٠ جنيه للإردب، والفدان جاب ١٧و ١٨ إردبا، خير وبركة، تخيلوا: الدولة قالت لهم خللوه، اشربوه، ويمكن بعزقوه.

الذريعة أو الحُجة التى تستخدمها الدولة لعدم تسلم القمح من الفلاحين غريبة جداً، وهى إن كل فلاح لازم يقف فى الطابور يوم أو اتنين أو أكثر أو أقل، ليُسلم محصوله بنفسه، إمعاناً فى البهدلة والعكننة والذل اليومى الذى يعيشه الفلاح أصلاً تحت شمس حارقة طوال العام، الدولة ممثَلة فى وزارة الزراعة وجمعياتها الائتمانية، تعلم تماماً أن ما يزيد على ٩٠٪‏ من الفلاحين يبيعون قمحهم ومحاصيلهم عموماً إلى التجار، منذ بدء زراعة المحصول، أى محصول.

التاجر أيها السادة هو البنك الحقيقى بالنسبة للفلاح، يسحب منه على مدار العام دون فوائد بنكية تعود عليه بالهم والغم والسجن فى معظم الأحوال، يقترض الفلاح من التاجر حين بدء العام الدراسى، وحين قدوم شهر رمضان، وحين تهل علينا الأعياد، وحين زواج البنت، وحين السفر لأداء فريضة الحج، وحين شراء كسوة الشتاء أو الصيف، أى هو الملاذ الحقيقى للفلاح بعد الله سبحانه وتعالى.

من الطبيعى إذن فى نهاية العام أن يُسلمه محصول الأرض بالناقص ٢٠ جنيها عن كل إردب قمح، أو ٣٠ جنيها عن كل قنطار قطن، ليقوم التاجر بالتوريد إلى الشونة نيابة عن عشرات ومئات الفلاحين أصحاب الحيازات، رافعا عنهم عناء ومشقة ذلك الإجراء، الذى أصبح هو الآخر يشكل معاناة إضافية لأصحاب الحالات الفردية أو القطاعى، الذين لا يمتلكون سيارات نقل، ولا عمالة تستطيع القيام بمثل هذه المهام، أسوة بهذا التاجر أو ذاك.

المثير للدهشة هو أن القمح قد وصل إلى الحكومة حيث تريد، إلى المكان الذى حددته، ليس مطلوباً منها اللف على أراضى الفلاحين، أو حتى على منازلهم، ماذا يضير الحكومة إذا كان ذلك القادم بالقمح يعمل مزارعاً، أو تاجراً، صغيراً كان أو كبيراً؟، خاصة إذا علمنا أن الفلاحين الذين قاموا بالتوريد بأنفسهم نزولاً على التعليمات لم يتقاضوا ثمن ما قاموا بتوريده حتى الآن، وحتى التاجر الذى استطاع اصطحاب الفلاح معه وقام بالتوريد، لم يحصل على مستحقاته أيضاً، بالتالى فإن علاقة الفلاح المباشرة بالحكومة سوف تعود عليه بالخسارة فى كل الأحوال.

الجديد فى الأمر هو أننا إذا كنا قد اكتفينا ذاتياً من القمح هذا العام، نتيجة إقبال الفلاحين على زراعته، نزولاً على دعوة الحكومة ووعودها بتسلم المحصول بسعر مناسب، فإننا من الآن يجب أن نستعد لعجز ربما يكون كبيراً العام المقبل، بعد أن يحجم الفلاحون عن زراعته، ربما يكون هذا مقصوداً فى حد ذاته، حتى تنقض مافيا الاستيراد على السوق تماماً، ومازلتُ آمل ألا يكون ما جرى ويجرى الآن لحسابهم أيضاً، بعد استيراد كميات لا بأس بها.

على أى حال، سياسة الصمت المطبق خلال أزمة الصحفيين مع وزارة الداخلية لا يجوز بأى حال استخدامها مع أزمة الفلاحين، الناس الطيبين الذين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بما يجرى من أحداث، ربما يكون لدى بعضهم أبناء صحفيين، إلا أن ذلك بالتأكيد ليس سبباً يُعتد به لتجاهل مطالبهم، وقد يكون لبعضهم رأى ناضج فى الأحداث عموماً، إلا أن ذلك أيضاً ليس سبباً للعقاب، نحن هنا نعاقب كل شعب مصر، لكن فى كل الأحوال هناك أمر ما خطأ، كان يجب تداركه منذ الوهلة الأولى، حتى لا يصبح المجتمع بالكامل على صفيح ساخن، وكأن غضب الميادين والشوارع ليس كافياً، لنكتشف أن هناك من أراد للأراضى الزراعية الغضب هى الأخرى.

توضيح: ورد فى مقال أمس أن الخطاب المرسل لمحافظ الإسكندرية بالكف عن متابعة أزمة الحديقة الدولية، كان من رئيس الوزراء، إلا أن المحافظ اتصل بى موضحاً أنه كان من اللجنة الوزارية، المعروفة بلجنة الاستثمار، أو لجنة فض المنازعات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية