x

سعد الدين ابراهيم لا الأزهر ولا الكنيسة قادران على التجديد أو الإصلاح من داخلهما سعد الدين ابراهيم الجمعة 13-05-2016 21:35


إن الأزهر هو رمز المؤسسة الدينية، والدين هو مخزن الفضائل والقيم ومكارم الأخلاق، والتى هى معاً جوهر الضمير، الذى يضبط السلوك الإنسانى من الداخل. وينطبق ذلك على كل الأديان، سواء كانت ذات مصادر سماوية، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، أو كانت مصادر بشرية دنيوية، مثل الكونفوشية والهندوكية والبهائية.

ولأن المجتمعات الإنسانية أدركت أن الوازع الداخلى عند الأفراد ليس دائماً بالحضور أو بالقوة التى تضمن السلوك القويم لأفرادها، فإنها استحدثت قوانين وضعية، وجعلت المؤسسة الأمنية، من شُرطة ومن قضاء، مسؤولة عن الضبط الخارجى لسلوكهم، حتى لا يتجاوزوا أو يشتطوا على حساب غيرهم من الأفراد أو على حساب المجتمع كله.

وأثناء الثورات وفى أعقابها يختل الضبط الاجتماعى، كما زمام كثير من الأمور. ولذلك لم تكُن صُدفة والحال كذلك فى مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه، أن يتوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بنداءات مُتتالية للأزهر والكنيسة أن يُجددا خطابهما الدينى، وأن ينشطا فى تقوية الروادع الداخلية للمواطنين، حتى تجتاز مصر المرحلة الانتقالية لثورتيها.

ولكن هيهات، فلا الأزهر ولا الكنيسة فعلا ذلك، ولن يفعلا! فقيادة المؤسستين لا تعتقدان أنهما فى حاجة إلى أى إصلاح.

فتاريخ الكنيسة عندنا وفى روما، وهو أقدم بسبعمائة عام على الإسلام، زاخر بمُحاولات الإصلاح. فإذا كانت تلك المُحاولات من داخلها، فإن القيادة الكنسية تطرد وتُطارد أولئك المصلحين. فهذا ما فعلته الكنيسة الكاثوليكية مع أحد أبنائها، وهو مارتن لوثر. وشنّت عليه وعلى أنصاره حرباً استمرت مائة عام. وكوّن المطرودون هؤلاء كنيستهم التى سموها بالكنيسة الاحتجاجية أو البروتستانتية (Protestism). وحينما حاول بعض المُصلحين الأقباط تجديد خطاب الكنيسة ومُمارساتها فى العقود الأخيرة من القرن العشرين، مُمثلة فى القس إبراهيم عبدالسيد، ثم الأب مكسيموس، فعلت الكنيسة الأرثوذكسية معهم نفس الشىء.

وحدث نفس الشىء مع الأزهر الشريف، الذى يعتبر نفسه حامى حمى الإسلام السُّنّى. فقد طرد وطارد كل من حاول للخطاب إصلاحاً، فى القرنين الأخيرين ـ بدءًا بجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده، مروراً بطه حسين، وخالد محمد خالد، وسيد القمنى، ونصر حامد أبوزيد، وانتهاءً بإسلام البحيرى هذا العام (2016).

وحال جمال عبدالناصر، قبل عبدالفتاح السيسى بنصف قرن أن يُجدّد المؤسسة الأزهرية نفسها حتى تُجدد خطابها. ورحل جمال عبدالناصر، وبدلاً من جامعة أزهرية واحدة فى القاهرة الفاطمية، أصبح هناك ما لا يقل عن ثلاثين جامعة أزهرية فى عواصم كل المحافظات، بل فى بعض عواصم المراكز، كما فى مركز ميت غمر (دقهلية)، ومركز دسوق (كفر الشيخ). بل بدلاً من قِصر الدراسة الأزهرية على المرحلة الجامعية، إذا بها يُفتتح لها فروع فى كل مراحل التعليم من الابتدائى إلى الإعدادى إلى الثانوى. وهكذا تفاقمت مشكلة الثقافة فى مصر، بأسوأ مما كانت عليه عندما ألّف طه حسين كتابه «مشكلة الثقافة فى مصر» فى عشرينيات القرن الماضى. فثمة ازدواجية فى التعليم وفى طُرق التفكير بين ثقافة تقليدية سلفية عفى عليها الزمن، وثقافة حداثية متطورة. والثقافتان لا تلتقيان وتنازعان وجدان كل مصرى، وربما كل مسلم، وتشتّتان العقل والوجدان!

وربما سيرحل عبدالفتاح السيسى، كما رحل من قبله عبدالناصر، وشيوخ المؤسسة الأزهرية يبتسمون، أو ربما يُقهقهون، ولسان حالهم يقول «كان غيرك أشطر يا سيسى!».

المطلوب إذن هو مائة أو حتى ألف من أمثال سيد القمنى، ونصر حامد أبوزيد، وإسلام بحيرى، والأب مكسيموس ليُجددوا الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى على السواء.

كذلك لا بد من وضع نهاية حاسمة للازدواج التعليمى والثقافى القائم حالياً فى مصر المحروسة. فهناك تعليم مدنى حديث تقوم عليه وزارة التربية والتعليم، وزارة المعارف سابقاً، وهو النظام الذى بدأ مع محمد على مؤسس مصر الحديثة، فى أعقاب الحملة الفرنسية على مصر، منذ أوائل القرن التاسع عشر. وهو النظام الذى كان عماد تحديث مصر، مدنياً وعسكرياً، وتلقى جرعة إحيائية فى عهد الخديو إسماعيل فى النصف الثانى من نفس القرن، وكان القائم على رعاية هذه الجرعة الإحيائية، كل من رفاعة رافع الطهطاوى، وعلى باشا مُبارك. ومع نتاج تلك الحقبة، ظهرت البذور الجنينية لما سيصبح الجامعة المصرية فى نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وهى نفس النواة، التى ستكبر مع ثورة 1919، وتصبح جامعة فؤاد الأول، ثم جامعة القاهرة.

وظل الأزهر خلال القرنين الأخيرين، مُستمراً، يقدم تعليماً دينياً تقليدياً فى كلياته الثلاث: الشريعة، وأصول الدين، واللغة العربية، دون تطوير يُذكر. وحاول الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تطوير منظومة التعليم الأزهرى، بإدخال مناهج تعليمية دنيوية حديثة (علمانية). ولكن المحاولة أجهضت، وزبلت رغم استمرارها شكلياً. وما يتبقى منها مُمثلاً بكليات مثل الطب والصيدلة والهندسة، لم تختلف مواده الدراسية كثيراً عن مثيلاتها فى جامعات مصر الحديثة الأخرى ـ مثل القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية، وأسيوط، والمنصورة، وطنطا!

ولكن الخطاب الدينى نفسه لم يتطور كثيراً خلال القرنين الماضيين، بل باءت مُحاولات الإصلاح بالتعثر، إن لم يكن بالإجهاض والفشل. فمُحاولات الشيخ محمد عبده، والأخوين مصطفى وعلى عبدالرازق، وطه حسين، والشيخ المراغى، والشيخ خالد محمد خالد، والشيخ محمد الغزالى، قد أصابها ما أصاب سابقتها. ولم يكتفِ المُتمرسون فى مشيخة الأزهر، بحى الحُسين بمُقاومة التجديد، ولكنهم طاردوا من جرؤ من شبابهم على هذا التجديد، وكان آخرهم إسلام البحيرى. هذا فضلاً، عن الإجهاض عن بُعد لمن يُحاول ذلك فى الجامعات غير الأزهرية، مثلما حدث مع نصر حامد أبو زيد، لمُجرد تجريب مناهج التحليل الحديثة على مُفردات القرآن الكريم، وهى المناهج التى جرّبها عُلماء الألسنية (Linguistic) على الكُتب السماوية المُقدسة الأخرى ـ مثل العهد القديم والعهد الحديث، أو التوراة والإنجيل.

ولذلك نقول للرئيس السيسى، أن يتوجّه بدعوته لتجديد الخطاب الدينى إلى كل المثقفين والمُفكرين، ولا يقصرها على شيوخ الأزهر. ومثلما كان يُقال منذ قرن إن الحرب أهم للمجتمع من أن تترك للجنرالات وحدهم، وأن الاقتصاد أهم من أن يترك للاقتصاديين وحدهم، فكذلك الخطاب الدينى هو أهم من يُترك للأزهريين وحدهم.

وعلى الله قصد السبيل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية