تحت عنوان سنين هجرة العقول والشباب من مصرنا الغالية، وصلتنى هذه الرسالة، أنشرها كما هى.
عزيزى نيوتن
ربما نكون من الجيل قبل الأخير من الذين نالوا قدرا من العلم والنجاح فى عملهم، الذين مازالوا ينوون البقاء فى مصر. أما أولادهم أو أحفادهم فقد أصبحت كالطيور المهاجرة حتى لو لم ينبت لها أجنحة قط، ولا فرق بين قبطى ومسلم فى هذا الشأن.
فنرى طلبة الجامعة وحتى تلاميذ المدارس الثانوية يلحق بهم أهاليهم فى جامعات ومدارس خارج البلاد، رغم وجود الكم من المؤسسات التعليمية الأجنبية التى أنشئت فى القاهرة وضواحيها فى الأعوام الماضية.
لا أستطيع أن ألوم من يقرر تهجير أولاده، رغم ألم الفراق والتشتيت. وحرمان diaspora الأولاد من دفء الحياة مع أهاليهم وإخوتهم، ومما يمكن أن يجلب ذلك من مخاطر الانخراط فى ثقافات ربما تبعدهم عن هويتهم الأصلية، وذلك لأن التعليم هنا متدنٍ وصارخ فى الغلو إلى حد مستفز، والمناخ العام طارد للعقول المتفتحة والمتعطشة للإبداع. ولكنى أشعر بالمرارة والأسف العميق لأن الدولة لا تنتبه إلى أن هذه الظاهرة تهدر أثمن شىء تمتلكه مصر وهو مواردها البشرية. وتبقى فقط الجماهير الغفيرة وغير القادرة والفقيرة التى على البلد رعايتها.
مع تقديرى للجهود المبذولة للقضاء على الفكر المتعنت والمتطرف والعنصرى الذى تسلل وتشعب بين الصفوف، والمشاريع العملاقة التى تقوم بها الدولة، فهذا غير كاف. ولكن الحل غير مستحيل لأن تدفق العقول والكفاءات والمستثمرين إلى الخارج بهذه الصورة المزعجة هو نتيجة مناخ طارد، بينما يجب أن يكون جاذباً. كل ما فى الأمر أنه يتطلب قرارا وعزما سياسيا وباقة من السياسات التعليمية والإدارية والاستثمارية والحرية التى يتشوق إليها كل من يرغب فى العلم والمعرفة والعمل المستقر والحياة بكرامة.
انتبهوا أيها السيدات والسادة الذين بيدهم زمام الأمور، فهذا هو طوق النجاة. لا تعملوا بمنهج «الباب يفوت جمل» الذى اتبعه الرئيس جمال عبدالناصر، والذى يتذكره جيلى، وما يسببه من خسارة للبلاد لم تعوض حتى الآن. هناك جامعة النيل التى تهملها الدولة وهى جامعة أهلية. لا تهدف للربح. هى باب للتعليم التكنولوجى الراقى الذى تحتاجه البلاد لتنهض.
سهير قنصوه