x

نيوتن من صندوق البريد نيوتن الإثنين 02-05-2016 20:07


عزيزى نيوتن

■ يوماً بعد يوم تدلل التجارب الإنسانية على استحالة رفرفة طيور الحرية وديمومة أنوار الحداثة، ما لم تقض نهائياً على ‏بؤر الظلام وأصنامه‎.‎‏ تتبدد مع الأيام أيضاً أوهام التوصل لمنطقة وسطى، ما بين الإنسانية والدوجماطيقية.‏

■ ‏«أول الغيث قطرة» كما يقولون، فكلمات رئيس البرلمان التركى عن دستور دينى، والتى سارع رجال الحزب الحاكم فى ‏التبرؤ منها، ليست إلا بالونة اختبار، وفقاعة تظهر على السطح، ما يموج به ما تحته من نوايا وبوادر. ما نراه على ‏امتداد النظر هو أن العلمانية تتهاوى فى تركيا، والشعب التركى يتجه ببطء وثبات إلى الارتداد للدولة الدينية والخلافة ‏الإسلامية.. هى فيما نرى مسألة وقت لا أكثر. ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط ليس إلا انتصاراً لإرادة الشعوب، ‏وهذا هو توظيف بعض الشعوب لآليات الديمقراطية لاغتيال الديمقراطية والحرية، بأن ترتد بها إلى أيديولوجيات ‏ونظم شمولية عتيقة وظلامية‎.‎

■ النموذج «الأتاتوركى» ظل دوماً فى مخيلتى المضاد لما أعتقد فيه، بأن الشعوب فى جميع الأحوال وفى غير الحالات ‏المؤقتة الاستثنائية، هى التى تقرر لنفسها بنفسها منهج حياتها، وأنها المسؤولة عن كل ما يحدث لها من تقدم أو ‏تخلف، ومن فقر أو غنى. ولم أكن أجنح أحياناً لفكرة «المستبد العادل» البائدة، إلا كسباً لبعض الوقت، لتأخير السقوط ‏المحتوم للشعب الذى أنتمى إليه، على الأقل حتى يحين أجلى!!.. الجنرال مصطفى كمال الملقب «أتاتورك» أخذ الشعب ‏التركى إلى العلمانية بالبطش والاستبداد، مستعيناً بلاشك بقطاع معتبر من الأتراك برىء مما ابتلى به عموم الشعب. ‏ولم تصمد العلمانية كل هذه المدة إلا بالتدخل الدائم للعسكريين، الذين ظلوا طوال الوقت حراساً للدستور والعلمانية. الآن ‏وفى ظل الديمقراطية يتغير الدستور على هوى الخليفة أردوغان، ليعود الأتراك تدريجياً إلى حيث كانوا، رعايا فى دولة ‏خلافة إسلامية‎.‎‏ وإن كنا لا نظن أن هذا سيحدث وتخرج منه تركيا موحدة بالصورة التى نعرفها بها الآن‎.‎

■ بالتأكيد ستختلف الآراء والتوقعات حول مصير العلمانية فى تركيا، وإن كان كل من الظروف الإقليمية والعالمية ‏المحيطة بتركيا والشعب التركى بقطاعاته العلمانية العريضة، سوف يسمحون لأى من كان بالارتداد بتركيا إلى العصر ‏العثمانى أو ما هو أبعد فى التاريخ. لكن السؤال المحورى الذى يفرض نفسه هو: بعد تسعة عقود من تطبيق العلمانية ‏فى تركيا، هل هى الآن فى طور المزيد من التعمق والتغلغل فى كل من مؤسسات الدولة وثقافة القواعد الشعبية، أم أن ‏المنحنى العلمانى يأخذ منحى الهبوط، ما يجعل من حق بعض «المتشائمين» توقع وصوله إلى خط الصفر أو ما هو ‏دون ذلك؟

■ هناك إشكالية فشل حتى الآن التنظير والتطبيق الديمقراطى فى حلها. وهى التفرقة بين الإجماع الذى يستحق وصفه ‏بالإجماع الديمقراطى، وذلك الذى نضطر لوصفه بالغوغائى. نعم لدينا تعريفات مستقرة لكل من الديمقراطية ‏والغوغائية، لكن المعضلة تكون عند التطبيق: من الذى يحق له التفرقة بين هذه وتلك، وكيف نتمكن وفق آليات ونظام ‏سياسى صارم وعادل ورصين، من السماح بمرور الديمقراطى وتوقيف الغوغائى؟

■ لو حدث بالفعل ارتداد عن العلمانية فى تركيا، فهذا يعنى أن أى أمل فى حداثة لشعوب العالم العربى هو محض ‏هلاوس وأوهام سخيفة.

كمال غبريال

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية