x

حسن حنفي غلق الفم وقطع اللسان! حسن حنفي الأربعاء 04-05-2016 21:38


يفرح الكاتب بالهامش الصغير من الحرية الذى حصل عليه والذى يسمح له بالتعبير عما يريد صراحة أو رمزا. يفرح وهو يحاور ويناور، حتى لا يأخذ عليه أحد شيئا داخل الصحيفة أو داخل أجهزة الأمن. ينجح فيحقق غايته بالتعبير عما يريد أو يفشل. فالأديب لا حرج عليه.

ثم يغتمّ عندما تبدأ المواجهة، الرقابة فى الداخل أو فى الخارج، الانقضاض على نقابة الصحفيين، القبض على صحفيين معينين قادوا مظاهرة الجمعة والأرض احتجاجا على تنازل مصر عن الجزيرتين فى مدخل خليج السويس، قبل أن تبدأ التبريرات القانونية والتاريخية لملكيتهما لغيرها من القريب والبعيد. الفرح للصدق مع النفس والتعبير عن الشعور الوطنى بالسيادة المصرية، والغم عندما يجد الأقلام وقد تبارت فى التنازل عنهما. يد تتنازل عن الجزيرتين، ويد أخرى تأخذ المليارات الثمن وكأن الوطن للبيع والشراء فى مصر.

وقد تعوّد الناس على ثورة الزعماء الأبطال فى العراق وسوريا وليبيا واليمن. ثم شاهدوا نموذجا ثانيا شاركوا فيه وهو الثورة الشعبية الجماهيرية التلقائية التى تحاصر القصور. وقد انتهى كلا النموذجين، الزعيم الأوحد بتفتيت الدولة إلى دويلات طائفية أو عرقية، والثورة الشعبية الجماهيرية بتموجها بين الإسلاميين والعسكريين، كل طرف يريد أن يحكم بمفرده فتحولت الثورة إلى استبداد دينى أو عسكرى. والآن يجرب الشعب ثورة النقابات أى ثورة النخب المهنية، الصحفيين، والمحامين، والمهندسين، والأطباء، والعمال، والفنانين والنوادى مثل أساتذة الجامعات. وهى ثورة منظمات المجتمع المدنى والتى شاركت فيها بعض مؤسسات الدولة مثل أمناء الشرطة فى وزارة الداخلية. تبدأ بشرارة مثل مداهمة نقابة الصحفيين والاستعداد لغيرها لبيان أنه لا يوجد إلا الحل العسكرى بعد أن انطفأت الشرارات الصغرى مثل اعتداء أمناء الشرطة بالسلاح الميرى على المواطنين الأبرياء. فالشرطة رمز القهر وأمناء الشرطة لديهم عقدة نقص تجاه ضباط الشرطة، يظهر منها بالعدوان على المواطنين. والصحافة رمز الحرية وتعدد الآراء خاصة صحافة المعارضة القوية العلنية. فالصحفيون الأحرار مثل المفكرين الأحرار حتى وإن مال كثير منهم نحو النظام السياسى، آخذين الصحافة وظيفة وليس رسالة. يصلون إلى أعلى المناصب فيها بما لديهم من قدرة على الكذب والنفاق. فتحرك النقابات يعبر عن غضب شعبى مكتوم بعد أن ظن الشعب أنه قد تحرر من نظام الحكم الدينى دون أن يعلم أنه سيقع فى نظام حكم عسكرى، يحكم بالحديد والنار. وقد تراكم الغضب الشعبى تدريجيا حتى وجد منفسا له فى «جمعة الأرض» أو فى اعتصام نقابة الصحفيين دون انفجار كما حدث فى يناير 2011. وكما تراكم الغضب تدريجيا انتظارا لليوم الموعود ينفجر الآن تدريجيا من جحيم الحكم العسكرى.

وبالإضافة إلى ثورة النقابات هناك تحرك مؤسسات الدولة من الداخل، أجهزة الأمن، الكل يريد أن يوجه الدولة باسمه. وأصبح الشعب محاصرا بين دواعى الأمن الخارجى وضغوط الأمن الداخلى. وكلاهما يتفق على السيطرة. فينتظر الشعب الفرصة للتنفس فيجدها فى تحرك النقابات كشرارة حتى ولو كان انتشار الحريق منها بطيئا.

وأكبر دعاية للنظام فى مصر ليس بالكلام ولا بالخصام بل بالفعل. فالخارج يعرف عدد المعتقلين السياسيين فى البلاد والذى تجاوز عشرات الآلاف. ويعرف بعض ألوان التعذيب والإهانة لبعض القيادات السياسية للمعارضة الدينية والمدنية. ويعلم مدى احترام حقوق الإنسان. فالعالم أصبح كوكبا معرفيا واحدا. ووسائل الاتصال الاجتماعى لم تعُد تخفى شيئا. والصحافة لسان العالم كله. تنتقل مادتها بسرعة البرق إلى كافة أرجاء العالم. والتسريبات الصحفية أصبحت شائعة. ولم يعد هناك سر حتى فى مكاتب رؤساء الجمهوريات.

الصحافة الآن عقل الأمة وروحها. ولا يستطيع أحد أن يقتله أو يقضى عليه بمداهمة نقاباتهم ومحاصرة أبنيتهم بالشرطة مما يزيد كراهية الناس لها. وهى تاريخ الأمة. نشأت بنشأة الدولة الوطنية. وكانت منبرا للسياسة والتاريخ والأدب. ساهم فى تحريرها كبار الأدباء. وخاضت معظم المعارك الأدبية والسياسية. وأصبحت أسماء جرجى زيدان وتكلا ونيقولا أعلاما معروفة فى تاريخ الثقافة العربية. ولم ينخفض صوتها إلا بعد سيطرة الدولة عليها وأصبحت جزءا من إعلامها. وبدأت بحرية الفكر والقول.

مداهمة نقابة الصحفيين ليس لأن بها إخوانا أو أعضاء منظمة 6 إبريل أو الأحرار الاشتراكيين بل لأنها قلب مصر ونبضها. فالقلب ينبض من جديد. والجسم يتحرك. وحالة الإحباط تتوارى إلى حالة الأمل والعودة إلى روح الثورة فى يناير 2011. ومن يدرى ربما صمود نقابة الصحفيين علامة على نهاية مرحلة الإخوان التى عرفها الشعب، ونهاية مرحلة العسكريين التى ظنها الشعب أنها البديل الصحيح، وبداية مرحلة المجتمع المدنى وتنظيماته بل مؤسسات الدولة التى استشرى فيها الفساد، مما يستدعى تغيير الوزارات دائما، من الوزارة إلى القضاء، ومن الحرية التى سمحت له بفعل أى شىء إلى سجين وراء القضبان.

فمهما كان هناك تهديد بغلق الفم وقطع اللسان فإن القلب يظل ينبض والجسم ينتفض. وكما قال نابليون عندما غزا ألمانيا وكتب فيشته «نداءات إلى الأمة الألمانية» لتحرير ألمانيا «لقد هزم القلم السيف».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية