x

عبد الناصر سلامة (ما أُريكم إلا ما أرى) عبد الناصر سلامة الثلاثاء 03-05-2016 21:24


فى سورة (غافر) آية ٢٩ قال فرعون مصر لشعبه، فى إطار التسلط والهيمنة (ما أُريكم إلا ما أرى)، المعنى هنا واضح، لا يحتاج إلى كثير من التفسير، لن تروا أكثر ولا أقل مما أريد أن أريكم إياه، لن تروا شيئاً آخر بخلاف ما أريدكم رؤيته، أى لا رأى آخر، ولا كلام آخر، ولا تفكير، ولا إعمال عقل، ولا أى شىء بخلاف ما أراه أنا، أنا الفرعون، وبالتالى فإن ما أراه لا يجب أن تروا غيره.. إلا أن استخدام رب العزة سبحانه وتعالى لتعبير أرى هنا، «من الرؤية» وليس تعبير التفكير أو العقل مثلاً، فى دليل على العمى، الذى هو هنا بمثابة عمى البصر والبصيرة فى آن واحد، أى لا تفكير ولا رؤية فى الوقت نفسه.

أعتقد أننا هنا فى الآية الكريمة أمام الديكتاتورية فى أبشع صورها، حينما يرى الفرعون أنه هو فقط الذى يفهم، هو وحده الذى يفكر، هو وحده الذى يجب الاستماع إليه، فيطلب من الجميع أن يروا من خلال نظره هو، من خلال عينيه هو، من خلال رأسه هو، فتصبح كل حواس الشعب معطلة، وقد جاء هذا التعبير من فرعون، رداً على ذلك الرجل الذى يكتُم إيمانه حينما قال (فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا)، أى أنه كان هناك من نبّه وحذّر من انتقام الله، إلا أن فرعون لم يمتثل، بل زاد على ذلك بقوله (يا هامان ابن لى صرحاً لعلى أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى)، لنا أن نتخيل حجم التكبر والتجبر.

المهم أن العقاب الإلهى لم ينتق فرعون فقط كحاكم ظالم، وإنما (وحاق بآل فرعون سوء العذاب) أى كل أهل فرعون، وفى سورة القصص آية ٣٩ قال رب العزة (واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يُرجعون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصَرُون، وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين)، فيما يؤكد أن العقاب الإلهى لا يقتصر على شخص الفرعون الظالم، وإنما يشمل كل من أعانوه وأطاعوه، ولم يقوِّموه أو يقاوموه، ويكفى أنه استنكر عليهم الإيمان بنبى الله موسى حينما قال فى موقع آخر: (آمَنتُم له قبل أن آذن لكم)، فيما يشير إلى تدخله حتى فى إيمانهم بالله من عدمه.

أعتقد أن الشعوب، منذ فجر التاريخ، قد سددت فواتير ظلم الحكام، لمجرد الاستكانة، والخضوع للأمر الواقع، ليس فى زمن عاد وثمود فقط، أو زمن الفراعنة، وإنما امتد الأمر فى عصرنا الحديث لزمن أدولف هتلر (الفوهرر) فى ألمانيا النازية، أو بندتو موسولينى (الدوتش) فى إيطاليا الفاشية، وغيرهما من الطغاة، الصور والأفلام وثّقت حجم الدمار والخراب الذى لحق بشعوبهما، بل بالعالم أجمع، نتيجة عملية التغييب العقلى التى عاشتها الأمم المختلفة.

كان تلاميذ المدارس فى إيطاليا الفاشية يرددون فى طابور الصباح نشيدهم الوطنى (أشكرك أيها الدوتش لأنك تمنحنى ما يجعلنى أنمو قوياً سليماً، يارب احفظ الدوتش واجعله يحيا طويلاً من أجل إيطاليا والفاشية، وكان القسَم الإيطالى: بسم الله وإيطاليا أُقسم بأن أُنفذ أوامر الدوتش. وفى النهاية ورغم كل ذلك، كانت جثة الدوتش معلقة بإحدى محطات تموين السيارات بعد إعدامه، بينما لم يتم العثور على الفوهرر إلا ميتاً بعد تعاطيه السم، هو والكثير من أعوانه، فى عملية انتحار جماعى.

الغريب أنه لا دروس الماضى القديم، ولا عظات العصر الحديث، أتت أُكلها لدى الكثير من الحكام، وبصفة خاصة فى دول العالم الثالث، استمر الطغيان، واستمر الظلم، واستمر الفساد، القتلى بين الشعوب بالآلاف، كما السجناء عشرات الآلاف، كما التغييب العقلى كما هو، دعاية جوبلز فى دولة الرايخ هى هى، تم نقلها حرفياً، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن فى جغرافيا أخرى، ليست جغرافيا هتلر وموسولينى بالتأكيد، لأنهم هناك استوعبوا الدرس، وأقاموا جمهورياتهم على أسس علمية وموضوعية، فكان النجاح حليفهم.

أعتقد أن سِيَر الأولين والآخرين، التى وردت فى القرآن الكريم، كان يجب تدريسها ضمن دورات إعداد القادة فى كل المجالات للعظة والعبرة، كما هو تدريس التاريخ سواء بسواء، القصص القرآنى به ما به من مبادئ الحكم الرشيد، كما به ما به من محاذير الاعوجاج والخروج عن الطريق القويم، الشعوب ودورها فى تقويم هذا الطاغية أو ذلك المستبد، نالت هى الأخرى حظاً كبيراً من السرد والشرح الذى كان يجب أن يظل نموذجاً واضحاً، تجب الاستفادة منه على مر العصور والأزمان.

على أى حال، سوف أتذكر هنا مقولة المناضل والناشط السياسى، مارتن لوثر كينج: «أنت لست فقط محاسَباً على ما تقول، أنت أيضاً محاسب على ما لم تقل حين كان لابد أن تقوله»، ربما هى نظرية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لدينا، التى هى بمثابة أمر للجميع، البعض اعتبره واجباً، والبعض الآخر اعتبره فرضاً، إلا أنها فى كل الأحوال كفيلة بردع أى فرعون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية