دائما أصف أعياد الأقباط بأنها أعياد الهوية المصرية.. استمرار احتفالنا بها يطمئنى إن مصر لسه بخير.. هناك أيام تأتى محملة بأحداث تجعلك تشعر أنك لك جذور.. عيد فرعونى مثل عيد شم النسيم، فرحتك بالزعف وما يصنع منه يوم أحد الزعف.
وجعك على كنيسة تحترق.. ارتباطك بصديق مسيحى ياما وقف جنبك فى أزماتك وياما شكيت له وشكى لك، وعمركم ما اتكلمتم فى الدين.. طول عمرنا كده وافتكر معايا يا حمادة: مش زمان لما كنت أنا وإنت فى المدرسة كان أحيانا زمايلنا المسيحيين بيحضروا معانا حصة الدين لأن مدرس الدين بتاعهم غايب النهارده؟.. فاكر الواد مايكل اللى كان قاعد جنبك فى الفصل؟ مش كان بيحفظ الآيات القرآنية المفروضة علينا فى مادة النصوص، وابن اللذينا كان موس وكان بيكر الآيات كر ويجيب النمرة النهائية وإنت تلخبط فى التسميع وتسقط؟.
طب فاكر لما كنتم بتعملوا نفسكم بتذاكروا سوا عنده فى البيت وأتاريكم قاعدين تشربوا سجاير بينما مامتك ومامته راحوا يولعوا لكم شمع فى كنيسة العدرا علشان تنجحوا ومايعرفوش خيبتكم القوية؟.. فاكر لما انت وهو بكيتوا فى امتحان التفاضل آخر السنة لأن كان فيه أسئلة خارج المنهج، ولما خرجتوا من اللجنة لقيتوا والدك ووالده مكتفين مدرس المادة فى شجرة ونازلين فيه ضرب؟.
طب فاكر فى الجامعة لما إنتم الإتنين عجبتكم نفس البنت، وانت جريت فى الخباثة تقولها إنه مسيحى علشان تسك عليه، وفى الآخر سكِت عليكم إنتم الإتنين وإتجوزت اللى برقبتك ورقبته؟.. طب فاكر لما عربيتك عطلت على كوبرى أكتوبر وضحكت عليه وخليته ينزل يزق، وكانت الدنيا شمس وحر ففضل يزق لحد ما نفسه إتقطع وانت مستعبط ورافض تبدل معاه، فاكر لما هو بطل زق وراح وقف فى وسط الكوبرى ورفع إيده للسما يحسبن عليك؟.. فاكر لما كنتم بتصحوا متأخرين وتتفقوا إن اللى فيكم يوصل الشغل قبل التانى يمضى لزميله فى الدفتر، لحد ما فتن عليكم ابن حلال عند المدير فخصم لك وخصم له؟ ولما جدتك تعبت ودخلتوها المستشفى، مش كان بيزورك كل يوم هو وعيلته كلها؟.
مش جدك إتصاحب على جده وهمه الإتنين عينهم زقزقت على الممرضة الحسناء ونسيوا الست العيانة وقعدوا يتمنوا لو الشباب يعود يوما؟ ويوم ما إبنك ضرب إبنه مش روحت تبوس على راسه أحسن العيال توقع بينكم؟ طب لما نكون فى الفرح سوا وفى الهم سوا وفى المرض والتعليم والاحتجاجات والاعتصامات سوا.. ده احنا حتى فى رمضان نتابع ماراثون المسلسلات سوا.. هل يصح برضه بعد كل ده نحبس أطفالهم بتهمة دخيلة على مجتمعنا اسمها «ازدراء الأديان»؟.. هل ينفع أو يصح أن تقف الدولة صامتة أمام شحططة مدرسة مسيحية رفضت طالبات مدرسة أن تتولى منصبا فيها فما كان من مدير التعليم الضعيف إلا أن نقلها لمدرسة أخرى فرفض الطلاب بالمدرسة الأخرى وجودها أيضا؟.
هل تدخل الأزهر لغسل مخ هؤلاء الطلاب؟.. ألم نكتشف وقتها أننا أمام مؤسسات سلفية الهوى؟!.. مازلت أذكر مشهدا فى أحد البنوك المصرية بعد أيام من إعلان فوز مرسى رئيسا.. كان البنك مكتظا بالعملاء المسيحيين الذين يريدون إغلاق حساباتهم وتحويل ما بها من أموال لأقارب لهم فى دول أخرى تمهيدا لهجرتهم.. مازلت أذكر حديثى مع إحداهن وجملة قالتها هزتنى: «مصر خلاص ما بقتش بتاعتنا» ثم صمتت وأضافت: «ولا بتاعتكم..مصر بقت بتاعتهم».. هذه السيدة لو كانت مازالت تعيش فى مصر ولم تهاجر، فهى بالتأكيد كانت تتقدم صفوف الذين انتخبوا السيسى.. وبالتأكيد هى من السيدات اللاتى صفقن وزغردن لحظة دخوله الكاتدرائية فى عيد 7 يناير لعامين متتاليين.. لكن هل كل من كان بالكاتدرائية يومها يتخيل أنه سيأتى يوم بعد الخلاص من كابوس حكم الإخوان فيرون المتشددين يحبسون أطفالهم بتهمة ازدراء الأديان ويتربصون للموظفات من نسائهم؟.. من الذى ازدرى الأديان، الأطفال المحبوسون أم القاضى الذى حكم؟.. نعم، مازلنا نسيجا واحدا كمسلمين ومسيحيين على المستوى الشخصى، أما على مستوى الدولة، فالدولة اختارت للأسف أن تكون نسيجا واحدا مع السلفيين، فأرسلتنا إحنا والمسيحيين نشترى لب أزرق!