x

جمال الجمل بين الملك والفيلسوف* جمال الجمل الأحد 01-05-2016 23:28


(1)

ﻗﺎﻝ الملك: ﺗﻜﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺷﺌﺖ ﻓﺈني ﻣﺼﻎٍ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻣﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﺳﺎﻣﻊ ﻣﻨﻚ، حتى ﺃنتهي مما ﻋﻨﺪﻙ إلى ﺁﺧﺮﻩ، ﻭﺃﺟﺎﺯﻳﻚ ﻋﻠﻰ ﺫﻟك بما ﺃﻧﺖ ﺃﻫﻠﻪ.

(2)
قال الفيلسوف: ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﺪ الملوك ﺃﺣﺴﻦ ﻣﻦ الهذر ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﻣﻨﻪ ﻧﻔﻊ، ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻈﻞ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﻧﻪ، غير ﺃﻥ الملك، ﺃﻃﺎﻝ ﷲ ﻣﺪﺗﻪ، أفسح لي في ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺃﻭﺳﻊ لي ﻓﻴﻪ؛ فكان أولى ﻣﺎ ﺃﺑﺪﺃ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ التي ﻫﻲ ﻏﺮﺿﻲ ﺃﻥ ﺍﺧﺘﺼﻪ ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﻗﺒﻠﻲ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌقبى والنفع العمومي ﻫﻲ ﻣﺎ ﺃﻗﺼﺪ في ﻛﻼﻣﻲ ﻟﻪ، أما ﻧﻔﻌﻪ الشخصي ﻭﺷﺮﻓﻪ، فهو ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ، لذلك فإذا نصحت ﺃﻛﻮﻥ ﺃﻧﺎ ﻗﺪ ﻗﻀﻴﺖ ﻓﺮﺿﺎً، ومن هنا ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻲَّ أن أﻗﻮﻝ ما سوف أقول:

(3)
ﺃﻳﻬﺎ الملك ﺇﻧﻚ في ﻣﻨﺎﺯﻝ ﺁﺑﺎﺋﻚ ﻭﺃﺟﺪﺍﺩﻙ ﻣﻦ الجبابرة ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺳﺴﻮﺍ الملك ﻗﺒﻠﻚ، ﻭﺷﻴﺪﻭﻩ ﺩﻭﻧﻚ، ﻭﺑﻨﻮﺍ ﺍﻟﻘﻼﻉ ﻭالحصون، ﻭﻣﻬﺪﻭﺍ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﻭﻗﺎﺩﻭﺍ الجيوش، ﻭجهزﻮﺍ ﺍﻟﻌﺪﺓ، ﻭﻃﺎﻟﺖ لهم المدة، ﻭﺍﺳﺘﻜﺜﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻼﺡ طلباً للفلاح، ﻭﻋﺎﺷﻮﺍ ﺍﻟﺪﻫﻮﺭ، في ﺍﻟﻐﺒﻄﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻓﻠﻢ يمنعهم ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻛﺘﺴﺎﺏ جميل ﺍﻟﺬﻛﺮ، ﻭﻻ ﻗﻄﻌﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻏﺘﻨﺎﻡ ﺍﻟﺸﻜﺮ، ﻭﻻ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ إلى ﻣﻦ ﺧﻮﻟﻮﻩ، ﻭﺍﻹﺭﻓﺎﻕ بمن ﻭﻟﻮﻩ، ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺴيرة ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﻠﺪﻭﻩ، ﻣﻊ ﻋِﻈَﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﺮﺓ الملك، ﻭﺳﻜﺮﺓ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ، ﻭﺇﻧﻚ ﺃﻳﻬﺎ الملك ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﺟﺪه، ﺍﻟﻄﺎﻟﻊ ﻛﻮﻛﺐ ﺳﻌﺪﻩ، ﻗﺪ ﻭﺭﺛﺖ ﺃﺭﺿﻬﻢ ﻭﺩﻳﺎﺭﻫﻢ ﻭجنودهم وﺃﻣﻮالهم ﻭﻣﻨﺎﺯلهم، ﻓﻠﻢ ﺗﻘﻢ في ﺫﻟﻚ بحق ﻣﺎيجب ﻋﻠﻴﻚ، ﺑﻞ ﻃﻐﻴﺖ ﻭﺑﻐﻴﺖ ﻭﻋﺘﻮﺕ ﻭﻋﻠﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ، ﻭﺃﺳﺄﺕ ﺍﻟسيرﺓ، ﻭﻋﻈﻤﺖ ﻣﻨﻚ ﺍﻟﺒﻠﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻷولى ﻭﺍلأﺷﺒﻪ ﺑﻚ ﺃﻥ ﺗسلك طريق المحاسن، ﻭﺗﻘﻠﻊ ﻋﻤﺎ "ﻋﺎﺭﻩ" ﻻﺯﻡٌ ﻟﻚ، ﻭ"ﺷﻴﻨﻪ" ﻭﺍﻗﻊ ﺑﻚ.. تحسن ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺮﻋﻴﺘﻚ، ﻭﺗﺴﻦ لهم سنن الخير، فيكون ﺫﻟﻚ ﺃﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭﺃﺩﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ .ﻓﺈﻥ الجاهل المغتر ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ ﰲ ﺃﻣﻮﺭﻩ ﺍﻟﺒﻄﺮ، ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، والحازم ﺍﻟﻠﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﺳﺎﺱ الملك بالرفق، ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺃﻳﻬﺎ الملك ﻣﺎ ﺃﻟﻘﻴﺖ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻻ ﻳﺜﻘﻠﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻴﻚ، وأنا ﻠﻢ ﺃﺗﻜﻠﻢ بهذا ﺍﺑﺘﻐﺎﺀ ﻋﺮﺽ تجازيني ﺑﻪ، ﻭﻻ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﻣﻌﺮﻭﻑٍ ﺗﻜﺎﻓئني عليه؛ ﻟﻜني ﺃﺗﻴﺘﻚ ﻧﺎﺻﺤﺎﹰ ﻣﺸﻔﻘﺎﹰ ﻋﻠﻴﻚ.

(4)
ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮﻍ الفيلسوف ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ، ﻭﻗﻀﻰ ﻣﻨﺎﺻﺤﺘﻪ، ﺃﻭﻏﺮ ﺻﺪﺭ الملك ﻓﺄﻏﻠﻆ ﻟﻪ في الجواب ﺍﺳﺘﺼﻐﺎﺭﺍً ﻷﻣﺮﻩ؛ ﻭﻗﺎﻝ: ﻟﻘﺪ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﺑﻜﻼﻡٍ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻇﻦ ﺃﺣﺪﺍﹰ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ مملكتي ﻳﺴﺘﻘﺒلني بمثله ، ﻭﻻ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻗﺪﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻜﻴﻒ جرؤت على ذلك ﻣﻊ ﺻﻐﺮ ﺷﺄﻧﻚ، ﻭﺿﻌﻒ ﻣﻨﺘﻚ، ﻭﻋﺠﺰ ﻗﻮﺗﻚ؟.. ﻟﻘﺪ ﺟﺎﻭﺯﺕ ﺣﺪﻙ، ﻭﻣﺎ ﺃﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎً في تأديبك وتأديب غيرك ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻜﻴﻞ ﺑﻚ، ﻓﺬﻟﻚ عبرةٌ ﻭﻣﻮﻋﻈﺔ.

(5)
ﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ: ﺃﺭﺑﻌﺔﹲ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ في الملوك: 1- ﺍﻟﻐﻀﺐ.. ﻓﺈﻧﻪ ﺃﺟﺪ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﻘﺘﺎً. 2- ﺍﻟﺒﺨﻞ.. ﻓﺈﻥ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻟﻴﺲ بمعذور ﻣﻊ ﺫﺍﺕ ﻳﺪﻩ، 3- ﺍﻟﻜﺬﺏ.. ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪٍ ﺃﻥ يجاوره. 4- ﺍﻟﻌﻨﻒ في الفعل والمحاورة فإنه يورث الفرقة والكراهية

(6)
عاد الملك ليمنح الفيلسوف فرصة العدول عما قال، وطلب منه أن يتكلم مرة أخرى فقال الفيلسوف: إني ﻭﺟﺪﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ التي تميز بها ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ بين ﺳﺎﺋﺮ الحيوانات ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ، ﻫﻲ كل ما في العالم: (الحكمة / ﺍﻟﻌﻔﺔ / ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ / ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻷﺩﺏ)، علماً بأن "ﺍﻟﺮﻭﻳﺔ" ﺩﺍﺧﻠﺔﹲ في باب الحكمة، و"الحلم والصبر ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺭ" ﺩﺍﺧﻠﺔٌ في ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭ"الحياء ﻭﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ﻭﺍﻷﻧﻔﺔ" ﺩﺍﺧﻠﺔٌ في ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻔﺔ، ﻭ"ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭالمتابعة ﻭﺣﺴﻦ الخلق" ﺩﺍﺧﻠﺔٌ في ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﺪﻝ. ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ المحاسن، ﻭﺃﺿﺪﺍﺩﻫﺎ ﻫﻲ المساوئ ، فمتى ﻛﻤﻠﺖ ﻫﺬﻩ في ﻭﺍﺣﺪٍ لم تخرجه ﺰﻳﺎﺩﺓ النعمة إلى ﺳﻮﺀ الحظ ﻣﻦ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﻭﻻ إلى ﻧﻘﺺٍ في ﻋﻘﺒﺎﻩ، ﻭ لمﻳﺘﺄﺳﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ لم ﻳﻌﻦ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﺒﻘﺎﺋﻪ، ﻭلم يُحزنه ما تجري ﺑﻪ المقادير في ﻣﻠﻜﻪ، ﻭلم ﻳفزعه ﻣﻜﺮﻭﻩٍ، فالحكمة كنزٌ لا يفنى ﻋﻠﻰ ﺇﻧﻔﺎﻕٍ، ﻭذخيرة ﻻ ﻳﻀﺮﺏ لها ﺑﺎﻹﻣﻼﻕ، ﻭﺣﻠﺔ ﻻ تنتهي جدتها، ﻭﻟﺬﺓﹲ ﻻ ﺗﻨﺼﺮﻡ ﻣﺪتها.
...................................................................................................................................
* مقتطفات بدون تصرف من حوارية رمزية بين بيدبا الفيلسوف، وﺪﺑﺸﻠﻴﻢ ﻣﻠﻚ الهند في كتاب "كليلة ودمنة"

جمال الجمل
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية