سألت أحد رؤساء وزراء ما بعد 25 يناير، عما إذا كان قد حاول أن يجد حلاً لمبنى ماسبيرو الذي يوظف 40 ألفاً، ولا يحتاج سوى لخمسة آلاف منهم، فقال: حاولت ولم أجد حلاً!.
قلت: والحل؟!.. قال: لا حل إلا أن تتوقف الدولة عن التعيين هناك تماماً، ثم تترك عدد الموظفين في المبنى يتراجع تلقائياً مع الزمن، سواء بالخروج على المعاش، أو بالاستقالة، أو بالوفاة.. أو.. أو.. إلى آخر الأسباب!.
وليس مبنى ماسبيرو هو الوحيد الذي تشكو الدولة من زيادة عدد الموظفين فيه إلى حدود غير معقولة.. فمثله بين مؤسسات الدولة الكثير.. ولكنه ربما يكون المثل الصارخ بينها، لأن من بين كل ستة موظفين في مكاتبه، لا يحتاج العمل إلا لواحد منهم فقط.. والمشكلة ليست في أن واحداً يعمل، وأن الخمسة في المقابل لا يعملون، لا.. المشكلة الحقيقية هي أن الخمسة يعطلون اليتيم الذي يعمل، أو الذي من المفترض أنه يعمل لتكون النتيجة هي ما نعرفه ونراه!.
رئيس فنزويلا يواجه في بلاده مشكلة مماثلة، وإن كانت حدتها أقل عنده، لأن عدد موظفى الحكومة والقطاع العام هناك 2.8 مليون موظف، ولكنهم عندنا وصلوا سبعة ملايين، لا نحتاج منهم إلا إلى مليون بالكثير!.
الرئيس الفنزويلى قرر أن يعمل موظفو الحكومة يومين فقط أسبوعياً، وأن تكون الإجازة الأسبوعية خمسة أيام توفيراً للطاقة التي يواجه أزمة في عوائدها بسبب تراجع أسعار البترول عالمياً!.
وعندما يكتشف هو أن العمل الذي يقوم به 2.8 مليون موظف وعامل حكومى، في خمسة أيام، يمكن إنجازه وبصورة أفضل في يومين اثنين، فمعنى هذا أن أغلب الوقت في دواوين الحكومة والقطاع العام وقت ضائع، وأن الحكومة لو أعطت موظفيها إجازة في غالبية أيام الأسبوع مع حصولهم على رواتبهم كاملة، فالدولة هي الرابحة، لأنها سوف توفر استهلاكاً للطاقة وللمياه وللغاز في مكاتبهم، وسوف يتراجع الضغط على المواصلات في الشوارع، وسوف تخف حدة الزحام في شوارع المدن وميادينها!.
الحل الذي أشار به رئيس الوزراء الأسبق هو لا حل في الحقيقة، وهو يعبر عن رغبة في عدم بذل أي جهد في مواجهة معضلة من نوع ما تواجهه الحكومة والقطاع العام في البلد، وهو هروب من المعضلة إلى الدرجة التي قرر الرجل معها أن يتركها لتحل نفسها بنفسها بفعل عامل الزمن.. لا أكثر!.
وفى موازنة 2015 ــ 2016، كانت موازنة الدولة 864 مليار جنيه، وكانت الحكومة تنفق منها 700 مليار على الأجور، والدعم، وفوائد الديون، وليس هناك ما يشير إلى أن هذه «التوزيعة» سوف تتغير في الميزانية الجديدة، بما يعنى أن بند الأجور وحده سيستولى على ربعها تقريباً، ولو توقف الأمر عند حدود أجور الملايين السبعة لكان هيناً، كما تقول تجربة فنزويلا التي أعطتهم إجازة مدفوعة الأجر كاملاً، وكانت هي الكسبانة!.
الرهان على أن موظفى مؤسسات الحكومة الزائدين عن الحاجة سوف ينقرضون بمرور الوقت ليس حلاً، لأن نزيف المال العام فيها لا يزال في حاجة إلى صاحب عقل شجاع يوقفه!.