x

أحمد الشهاوي يوم تُخْصَى العقول أحمد الشهاوي السبت 30-04-2016 21:48


ليس هناك ما يمنع أن نعود إلى الأصُول التى يمكن أن نبنى عليها، لأنها الجدار والأساس، الذى يُقام عليه، أى أوَّل الشىء ومادّته، التى يتكوَّن منها أصْل الموضوع، والأصل الذى يتفرَّع عنه غيره، ونبع المياه لا مصبّها، إذْ لا أحد يستغنى عن جُذُوره التى هى إرثُه وتاجُ ماله الرُّوحى والفكرى، لأنَّ الأصل كما هو معروف فى الفلسفة والتصوف «ما يُبنى عليه الشّىء، أو ما يتوقَّف عليه، ويُطلق على المبدأ فى الزَّمان أو على العِلَّة فى الوجود»، ولكنْ أى أصُولٍ تلك التى ينبغى أن نستند إليها، ونعتمدها، ونستدعيها من أزمنتها المُنقضية؟ هل هى القرآن (إذْ هو المقطوع به وحده فى الجملة والتفصيل) والسنة؟ أم ما تركه لنا بعض الأسلاف من كُتبٍ تحضُّ على الكراهية، والبغض، وتكفير من ليس على (دين) صاحبها المُتزمِّت المُتشدِّد المُتعصِّب، «الذى يُبَالِغُ فِى التَّقَيُّدِ بِقَوَاعِدِهِ»، و«لاَ يَخْرُجُ عَنْ عَادَاتِهِ الْمَأْلُوفَةِ وَالْمُتَوَارَثَةِ وَيَتَعَصَّبُ لَهَا»، وتتهمه بالمرُوق من الدين، ومن الارتداد عنه، وكأننا لم نتقدَّم، وما زلنا نعيش فى هجير رمال الصحراء، نتبع الكلأ أينما وُجِد، ولا أظنُّ أن من ينادون بذلك من تُجَّار الدين لديهم استعدادٌ للتخلِّى عن الرفاهية والبذخ الذى يعيشون فيه، أو يتنازلون عن ملايينهم التى اكتنزوها من بيع الدين لمن يدفع أكثر لصالح فقراء المسلمين، الذين يدغدغون مشاعرهم الدينية، أو يتبرعون بها إلى صناديق الزكاة.

وذلك المُتشدِّد القاسى المُغالى غير المتسامح المتصلِّب المقتِّر البخيل، هو فى حقيقة الأمر يعرف أنه خاوٍ، ومحشُوٌ بورق الجهل، لذا يذهب نحو حيلته الكبرى، وهى التستُّر بالدين، باعتبار أن الناس عاطفيون أمام من يخاطبهم بـ(قال الله، وقال الرسول)، حتى لو كان ذلك القول مُقتطعًا من سياقه، لأنه ببساطةٍ لا يعرف القول الحق، وحقيقة الدين، وهو يتستَّر، ليكسب الشارع، وبعد ذلك يصارع السلطة ليصرعها، ويخطف الكرسى الذى لطالما حلم به، وطمح إلى الاستيلاء عليه، والاستبداد من فوقه.

فكلما طلعت شمسٌ زادت المساحة الجغرافية للجهل، حيث يخصى الجاهلون بالإسلام، من أصحاب الاعتقاد الفاسد، عقول بسطاء الناس، تلك العقول، التى يُراد لها ألا يتم إخصابها، لأنها لن تعود قادرةً على التفكير، أو المُشاركة بحريةٍ، والمساءلة العميقة.

وإن كنت أسمع بعمليات خصاء العجُول فى الريف كى تسمن، ويزداد مُعدَّل نموها، صرتُ أرى عمليات أخرى للخصاء، وهى خصاء العقول، حيث تمارس جماعات وأفراد تلك العملية البربرية الهمجية من فرط قذارتها، تلك العقول التى لن تكون قادرةً بعد ذلك على إنتاج شىءٍ، يخصُّ المعرفة أو الفكر، أو يُسهم فى الحضارة بقدرٍ لا يمكنُ الاستهانة به، لأن الأمم بُنيت وتأسَّستْ على العقول المنيرة الرائية العارفة.

الجاهلون الذين يرون أن الدين (اللاهوت: دراسة الله) يُغنى عن الفلسفة والتاريخ والأدب والعلم، كأنهم يبغون حكم الجاهلية.

فالجهلاء من تُجَّار الدين، هم بالتأكيد ليسوا من الراسخين فى العلم، يُفتُون بغير معرفةٍ ولا علمٍ، ولا قراءةٍ لأمرٍ هُم فيه مُستفتون، الذين يمكن لهم أن يقولوا آمنَّا، دُون درايةٍ أو بحثٍ أو استقصاء، كأنه لم تمر عليهم الآيات الخمس من سورة العلق «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»، ولا يعرفون أن فى القرآن سورة اسمها (اقرأ)، وأخرى اسمها القلم، يقسم فيها الخالق بـ(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)، وأن القلم قد ورد ذكره فى القرآن أربع مرات، أى أن له مرتبةً مُقدَّسةً، وضع الإله رتبته، مُكرِّمًا إياه.

فالبنية الهشَّة للمجتمع هى أحد أسباب تغلغُل الجماعات والحركات الإسلامية المُموَّلة فى ذلك المجتمع، و«نجاحها» فى السيطرة والهيمنة على الفقراء والبسطاء من الناس، ومن ثم يتطلَّب الأمر تأهيل تلك البنية، وتأسيس أخرى على أسُسٍ من الحداثة والمعرفة العميقة بالدين الصحيح، وليس بما يطرحه تُجَّار الدين، لأنَّ الأصولية الدينية لا تنمُو وتتغوَّل إلا إذا كان المجتمع معدُومًا مريضًا جاهلا، فقيرًا فى العلم والثقافة والمعرفة والتعليم، مجتمع يستورد أكله ومعرفته وحداثته، ولا ينتجُ شيئًا.

فلسنا نعيش فى مجتمعٍ مُكوَّنٍ من العشيرة أو الطائفة أو المذهب أو العُنصر، ولكنَّنا فى مجتمعٍ متماسكٍ حتى لو تعدَّدت عناصره، لكن تجَّار الدين، وأرباب الجهل فى مجتمعٍ كهذا يعانى من مُشكلاتٍ كثيرةٍ، يروْنه مكانًا صغيرًا لا دولة قديمةً ليست وليدةً، حيث رأينا (وسنرى ما دام الجهل منتشرًا ومسيطرًا على العقول والأرواح) من يقول: طظ فى مصر، وثان يستبدل الشعب بالأهل والعشيرة فى خطابٍ رسمى، وثالث يقول: إن المسلم الماليزى أقرب إلى من القبطى المصرى، ورابع يقول: إن مصر صارت ولايةً من دولة الخلافة الإسلامية المنتظرة، وخامس يقول: إن مصر ما هى إلا مفرد أمصار، مما يعنى أنها مُجرَّد مكانٍ صغيرٍ، أى إمارة من الإمارات الإسلامية المُرتجاة لديهم، وسادس يقول: إن مكة هى أم الدنيا، وليست مصر المعروفة تاريخيًّا بـ«مصر أم الدنيا»، مع أن المتسلِّف هذا لو عاد إلى تاريخه المصرى القديم «الذى يكرهه بالتأكيد، ويراه تاريخًا حافلا بالأصنام والمساخيط، لأن أسياده من الوهابيين نسبةً إلى محمد بن عبدالوهاب (1115-1206 هـ/ 1703 -1792 م)، لا يعترفون بالحضارة المصرية القديمة، ويرونها حضارة كُفر وتعدُّد فى الآلهة» لأدرك أن:

(ارتفاع الهرم مضرُوبًا بمليار يساوى 14967000 كم، وهى المسافة بين الأرض والشمس، والمدار الذى يمرُّ فى مركز الهرم يقسم قارات العالم إلى نصفين متساويين تمامًا، وأن أساس الهرم مقسُومًا على ضعف ارتفاعه يعطينا عددًا ثابتًا (3.14) الوارد فى الآلات الحاسبة، وأن أركان الهرم الأربعة تتجه إلى الاتجاهات الأصلية الأربعة، وأن الهرم الأكبر يقع بالنسبة للكرة الأرضية فى مركز ثقل اليابسة، أى مركز ثقل القارات، أى مركز العالم، وأن اتجاه محوره فى اتجاه القطب المغناطيسى للأرض).

وهؤلاء عندى هم أبناء وأحفاد محمد رشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب وأبى الحسن الندوى وأبى الأعلى المودودى، الذين وسمُوا المجتمع بالجهل، وكفَّروا الدولة وحُكَّامها وشعبها، ولا يرون مسلمين على الأرض سواهم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية