وصفت صحيفة «ديلى تليجراف» بيان رئاسة الجمهورية الخاص بمقتل الشاب المصرى «شريف حبيب»، الذى تم العثور على جثته محروقة فى إحدى ضواحى العاصمة البريطانية لندن (كرينلى جاردنز فى ساوثهول)، بأنه شديد اللهجة.
وكل بياناتكم شديدة اللهجة، وكل ما يصدر عنكم شديد اللهجة، وكأننا عبيد إحساناتكم، وكأن مصر لاتزال مستعمرة بريطانية، شديد اللهجة فى الحق، حق مصرى قُتل فى عاصمة الضباب والجرائم الغامضة من أيام الليثى ناصف (أغسطس 1973).
إذا لم يكن بيان الرئاسة شديد اللهجة، ماذا سيكون؟ هنطبطب عليكم فى حق شاب مغدور، وهل لو كان إنجليزيا كانت لندن ستصدر بياناً رقيقاً؟ كانت رئاسة الوزارة فى «داوننج ستريت» صمتت؟ كان ديفيد كاميرون قلب الدنيا رأساً على عقب، ولربما اتهم الأجهزة الأمنية بحرقه حياً فى سيارته!
بيان الرئاسة لم يتهم أحداً، ولم يستبق التحقيقات، فقط دعا السلطات البريطانية المعنية للقيام ببذل العناية الواجبة وتكثيف تحرياتها وجهودها من أجل الكشف عن غموض هذا الحادث واستجلاء أسباب وقوعه، وتحديد الجناة وإلقاء القبض عليهم لينالوا عقاباً رادعاً بموجب القانون، أخذاً فى الاعتبار الحق الأصيل لأسرة المواطن المصرى الفقيد فى التعرف على أسباب وفاته وتحقيق القصاص العادل.
لا الرئاسة طلبت تحقيقاً دولياً شفافاً ومحايداً على طريقة كيرى، ولا طلبت التدخل فى التحقيقات على الطريقة الإيطالية، ولا طلبت استقبال وفد من المحققين المصريين فى لندن لاستطلاع تحقيقات «شرطة المتروبوليتان»، ولا شككت فى الرواية البريطانية بأن حريقاً شب فى المبنى، فإذ فجأة عُثر على الشاب شريف محروقاً فى الجراج.
الرئاسة المصرية لا طلبت الكشف عن مكالمات الهاتف فى منطقة الحادث، فى حدود ثلاثة ملايين مكالمة، ولا حرّضت البرلمان العربى لإصدار بيان تهديدى، ولا تظاهر النشطاء من حول السفارة البريطانية، ولا وجّهت أسرة شريف بياناً إلى الرأى العام العالمى تقول فيه: «قتلوا ابنى كما يقتلون الإنجليز»، ولا استدعت الخارجية السفير المصرى فى لندن للتشاور، ولا خرجت الصحف المصرية مطالبة بقطع العلاقات ومنع سفر المصريين إلى لندن.
بيان الرئاسة أقل واجب، تطلب بذل العناية الواجبة فى التحقيق وتكثيف التحريات واستجلاء أسباب وقوعه وتحديد الجناة، وإلقاء القبض عليهم، هل هذا كثير على الشرطة البريطانية، هل هذا بيان شديد اللهجة؟.. لم نصل بعد إلى اللهجة المطلوبة، لماذا؟.. لأننا نعرف جيداً أن التحقيق لابد أن يأخذ مجراه الطبيعى بعيداً عن التخمينات والاستنتاجات والاتهامات الجزافية، بيان منضبط تماماً، لم يغادر حقاً مصرياً، ولم يفتئت على أجهزة التحقيق فى حرف، رغم أنهم فى لندن تحديدا يستخدمون كل الحروف إذا جُرِحَ بريطانى فى حادث سير فى طريق الإسكندرية.
المحزن أن الشاب المصرى لم يجد جمهوراً مصرياً يساند قضيته، وفيما عدا تغريدات خجولة، وهاشتاجات كسولة، إخوة ريجينى عملوا فيها من بنها، لا تويتات ولا تغريدات ولا فسفسات ولا وقفات بالشموع ولا ذرف دموع، ولم توجه والدة «خالد سعيد» رسالة بالعربية مترجمة إلى الإنجليزية إلى أم شريف تواسيها وتعزيها وتحرضها على شرطة المتروبوليتان.
المريب أن نفراً من الممحونين (المُحن رجالى ونسائى) يتندر على اهتمام رئاسة الجمهورية بحادث شريف، وكأن الاهتمام الرئاسى بمقتل شاب مصرى عيب، فإذا صمتت الرئاسة عن الجريمة ولم تتحرك الخارجية ولم تقف السفارة المصرية إلى جوار الجثمان، أوسعوها تأنيباً وتوبيخاً، وإذا أصدرت بياناً وتحركت الدولة المصرية جميعاً حتى لا يضيع حق شريف، أوسعوها تسخيفاً وتعريضاً.. (تغريدة البرادعى نموذج ومثال!).