أيام قليلة بعد خروجه من المستشفى قرر الفنان حلمى التونى افتتاح معرضه الجديد «على الشاطئ» بجاليرى بيكاسو، ليقدم لنا بعضا من لوحاته الجميلة، التى أمتعنا بها فى معارضه الكثيرة، فالفنان الذى ولد عام 1934 ببنى سويف مسيرته حافلة بالنشاط الفنى، فى الرسم التشكيلى الزيتى، وفى فن الكاريكاتير، بالإضافة إلى تصميم الصحف.
يقول الفنان الشامل حلمى التونى - الحاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة تخصص ديكور مسرحى 1958 - لقد اخترت الشاطئ ليكون عنوان معرضى الحالى لعدة أسباب، فأنا لم أرسم الشاطئ من قبل، كما أننى لفت انتباهى إليه المشهد الاجتماعى المتناقض الذى نراه، رغم غرابته، فقد أصبحنا نرى على الشاطئ صورا مجتمعية متنوعة، تبدأ من المنتقبة وتصل إلى صاحبة المايوه، مرورا بصاحبة المايوه الشرعى، والمحجبة، كل هذه الصور أثارت بداخلى رغبة فى أن أنتقد الحياة، وأوضح الحالة التى نعيش فيها، ولكن بصورة مبهجة، وبعيدة عن الكآبة، باستخدام ألوان الفانتازيا الزائدة، فأنا أحب الألوان الواضحة، مثل الأحمر والأزرق، ويعود هذا الاختيار إلى شخصيتى وتكوينى النفسى، وقد يكون ذلك بسبب وجود إحساس داخلى بالطفولة، وأنا أستمتع كثيرا بهذه الألوان.
ويضيف التونى - صاحب جائزة معرض بولونيا لكتاب الطفل: «التأثر بالفن الشعبى مرحلة فنية عشتها منذ فترة، وانتهيت منها، ففى بداياتى كنت فناناً أكاديمياً عادياً، أميل إلى نزعة فنية شعبية، وفى عام 1987، بدأت أفكر فى الفن بشكل مختلف، فكنت مؤمناً بتجربة الأديب «جارسيا ماركيس» بأمريكا اللاتينية، والذى قدم أدب جديد لم يكن أحد يعرفه، وفى هذا الوقت كان الجميع يؤمن بفكرة العالمية، وأننا عالم واحد، على الرغم من أننى أرى أن فكرة العالمية، تقتل الفن، لأن المجتمع يفقد روحه الداخلية، فالمجتمع المصرى كان مجتمعاً فنياً شاملاً، «لكن لما آجى أؤمن بالشمولية العالمية، محدش يقدر يقول أنا فنان أفريقى أو أسيوى»، وإلا أصبحت إنساناً رجعياً، يؤمن بالقومية، لذا فإننى قررت أن ابحث بداخلى عن «حبل سرى» بين الفن القديم والحديث، لكننى لا أرى نفسى صاحب مدرسة فنية جديدة، وإنما أنظر إلى نفسى باعتبارى صاحب مشروع صغير جدا جدا، وهو البحث عن طعم خاص، ونكهة خاصة لأعمالى، أمزج فيها بين القديم والجديد، وهو أمر موجود فى العالم كله، فالحضارة الغربية، إذا ما دققنا النظر فيها، وجدنا أنها تحمل ملامح الفن اليونانى، لكننا للأسف لا نهتم بتاريخنا الشعبى، فجميل أن نأكل البطاطس لكن لا يجب أن نضحى بالكشرى كأكلة مصرية، وهو الأمر نفسه بالنسبة للفن الشعبى». وعن أكثر الفترات الفنية المتأثر بها قال: «أنا متأثر جدا بالفن القبطى المصرى، والذى أعتبره مرحلة فنية مهمة جدا، لأنها مرحلة فاصلة بين الفن القديم والفن الإسلامى، ولهذا الفن سماته الخاصة، منها نظرة اللوحة، فنظرة الشخص الموجود فى اللوحة نظرة مباشرة، وكأنه يعرف أن هناك من يلتقط له صورة، كما أن السمكة هى دلالة على الفن القبطى، والذى أحبه جدا، وقمت بعمل معرض فنى خاص به، حتى إن البعض اعتقد أننى مسيحى بسبب حبى لهذا الفن، وكأن السمكة هى إحدى روائع الفن الجميل. أما عن الأستاذ فى حياة التونى قال: «عندما بحثت فى الفنون القديمة وجدت أن الفنان الشعبى استطاع أن يحتفظ بالملامح الرئيسية لكل الحضارات التى مررنا بها، وقام بعمل مقارنات بينها، بالإضافة إلى تقديمه ملخصاً عن هذا التاريخ، لذا اخترته أن يكون أستاذى، واعتمدت على رسوماته، كى تكون ملهمتى، وكأنها الطبيعة، وطبقت عليها الأسس الفنية، ففى جميع الفنون هناك ما يسمى الطبيعة، بالإضافة إلى العمل الفنى، وبينهما «المسافة» والتى يخلقها الفنان، كى تختلف اللوحة المرسومة عن الصورة الفوتوغرافية، وكلما زادت هذه المسافة كلما تحقق الفن، وكلما بعدت عن تقليد الطبيعة كلما تحقق الفن، لذا فإننى تعاملت مع الموروث الشعبى كأنه الطبيعة، وبالتالى كان على أن أبعد عنه، واضعا مسافة فنية، أحقق من خلالها العمل الفنى، وإيجاد رابط سرى بين الاثنين، وقد اتخذت هذا المنهج الفنى منذ فترة، وعملت على تطوير نفسى فيه، وقد مررت بمراحل كثيرة فى هذا النهج، ظهرت كل مرحلة عشتها فى معارضى التى أقمتها، والتى أبحث فى كل واحد منها عن نظرة ابتكارية، خاصة أننى لا أرسم من الطبيعة، وإنما من الذاكرة، الأمر الذى جعلنى كلما تراودنى فكرة أسجلها فى مفكرتى بقلمى، وإن لم أرسمها أقوم بتدوين ملاحظة عما أريد رسمه. وعن رأيه فى حال الفن التشكيلى الآن قال: «أرى أن هناك ثقافة تشكيلية مجتمعية ضعيفة، لكنها أفضل حالا عما كانت عليه فى الثمانينيات، فعندما عدت إلى القاهرة، بكيت على حال الفن التشكيلى المصرى، بعد أن وجدت الفنانين، يقيمون معارضهم فى الفنادق واختفت الجالريهات، فحركة الفن بدأت تنشط مؤخرا، وأصبح هناك وعى عند بعض الناس بالفن والفنانين، الا أن هذا الوعى لم يقض تماما على الأمية التشكيلية، والتى جعلتنى أسمع أحد المسؤولين متباهيا بمعرفته تاريخ لوحة «زهرة الخشخاش». التونى ليس فناناً تشكيلياً فحسب، وإنما هو فنان كاريكاتير يرى أن رسمة واحدة فى جريدة الأهرام أصبحت لا تلبى احتياجاته، فالقضايا كثيرة، تجعله يرغب فى الابتكار كل لحظة، وليس فى الأسبوع الواحد مرة واحدة، لكنه أيضا فتح لنفسه مجالا جديدا هو الكتابة للأطفال، بعد سنوات طويلة من الرسم لهم، والتى أهلته للحصول على جائزة سوزان مبارك الأولى والتميز للرسم لكتب الأطفال ثلاث مرات، بالإضافة إلى جائزة اليونيسيف عن ملصقة للعام الدولى للطفل 1979.