x

مي عزام الاختفاء القسري... خوف الطغاة من الأغنيات مي عزام الإثنين 25-04-2016 22:15


11 سبتمبر 1973

11سبتمبر 2001

تاريخان ستظل ظلالهما باقية في نفوس الشعب التشيلي والشعب الأمريكي.

الأول تاريخ الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوجستو بينوشيه والثاني تاريخ الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن انهيار برجي التجارة العالمي في نيويورك والتي تركت الشعب الأمريكي في ذهول وتساؤل حائر: لماذا يكرهوننا؟!.

ولقد أجاب المخرج البريطاني كين لوتش عن السؤال بطريقته الخاصة، في 11 دقيقة ضمن كوكبة من المخرجين تمت دعوتهم من قبل المخرج التليفزيوني الفرنسى آلان بريجان الذي أراد أن يقدم فيلما بمثابة تأبين لضحايا هذا الحادث الإرهابي المؤسف الذي غيّر وجه العالم.

(افيش فيلم 11 سبتمبر)

فيلم 11 سبتمبر ضم أعمال 11 مخرجًا مهمًّا من مختلف أرجاء العالم، يوسف شاهين كان أحدهم، خرج الفيلم الذي أراد به بريجان مواساة الضحايا بمثابة تقريع ونقد لاذع للولايات المتحدة، وكان أكثرهم إدانة لأمريكا الجزء الخاص بالمخرج البريطاني.

ولقد أثار الفيلم زوبعة إعلامية كبيرة وكانت هناك محاولة لمنع عرضه، بل إن البعض طالب المنتج بحذف مساهمة يوسف شاهين وكين لوتش في الفيلم ولكن آلان بيرجان رفض قائلا: «لقد جازفنا بعمل هذا الفيلم ونتحمل المسؤولية، وليس واردًا أن نتحول إلى رقيب».

المخرج البريطاني كين لوتش هو المخرج الإنجليزي الوحيد بين أقرانه الذي لم يستجِب أبدًا لنداء هوليوود، فهو معروف بمعاداته للرأسمالية وميوله اليسارية، وفي الجزء الخاص به والذي يعد تزواجًا ما بين الفيلم الروائي والوثائقي، يقارن بين 11 سبتمبر الأمريكي و11سبتمبر التشيلي، التاريخ الأخير يحفر ألمًا عميقًا في ذاكرة الشعب التشيلي، فهو تاريخ اغتيال تجربة ديمقراطية ناجحة، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور العقل المدبر لتلك الجريمة، أما أداة الجريمة فكان أوجستو بينوشيه عميل أمريكا الذي قاد انقلابًا عسكريًّا على الرئيس المنتخب سلفادور الليندي اليساري الميول صاحب المشروع الوطني، ولأن للديمقراطية والحرية تعريفًا آخر في قاموس الولايات المتحدة الأمريكية حين تتعارضان مع مصالحها وحين يطالب بهما شعب من شعوب العالم الثالث، كان تعليق وزير الخارجية هنري كيسنجر حينذاك طبيعيًّا: «لماذا علينا أن ندعم دولة شيوعية؟ الأرباح أهم من الديمقراطية»، لذلك دفعت الولايات المتحدة أموالا طائلة للإطاحة بالرئيس المنتخب الليندي في عهد الرئيس نيكسون، وساندت ودعمت ديكتاتورية بينوشيه الذي سار على نهجها الرأسمالي، ووعد بأن يجعل «تشيلي أمة من رجال الأعمال، لا العمال».

يلتقط المخرج البريطاني اليساري كين لوتش هذه الحادثة التاريخية، ويوظفها ببراعة لينتقد من خلالها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، مظهرا التناقض وازدواجية المعايير في خطابها، اختار كين لوتش أن يعالج هذا المضمون بترك الصوت والصورة لذاكرة فلاديمير فيجا (المنفي التشيلي في لندن) كي تتداعى عبرهما في رسالة مفتوحة للشعب الأمريكي بمناسبة الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر، يذكرهم فيها بتلك الآثام التي اقترفتها الولايات المتحدة في بلده تشيلي في ذات التاريخ قبل 28 عامًا من أحداث تفجير برجي مركز التجارة العالمي، ذاكرة تكتظ وتتداعى وتمتزج بمادة أرشيفية عن أحداث تشيلي، وعلى التنكيل بالشعب والمعارضة على أيدي عميل أمريكا بينوشيه، ويصف فيجا مرحلة الليندي قائلًا: «للمرة الأولى امتلك الناس الكرامة، تحسن التعليم والصحة والمصانع أصبحت للجميع»… ويستكمل خطابه للشعب الأمريكي «أيها الأصدقاء، إن قادتكم يعدون لدمارنا»، كما يختم «سوف نتذكركم. آمل أن تتذكرونا».

سبق فيلم كين لوتش القصير، فيلم هام جدًّا للمخرج الفرنسي كوستا جافراس، اليونانى الأصل وصاحب الفيلم السياسي الشهير «زد»، الفيلم يتناول نفس الموضوع، أنتج بعد 9 سنوات من انقلاب بينوشيه، يظهر بشاعة هذا الحكم الفاشي والمجازر التي قام بها والتي راح ضحيتها بطل الفيلم تشارلي هورمان الكاتب والصحفي الأمريكي المستقل، والذي كان يعيش مع زوجته بيث في سانتياجو التي اختاراها بعد جولة في أمريكا الجنوبية، وهما من الشباب ذوي النزعة اليسارية الكارهين للرأسمالية والمتعاطفين مع حقوق الفقراء والمهمّشين، أرادا أن يبتعدا عن ثقافة التسليع والاستهلاك التي رفعتها بلدهما.

(أفيش فيلم مفقود)

الفيلم يبدأ بمشهد له دلالة كبيرة، حيث يتابع شارلي من نافذة السيارة أطفالًا يلعبون كرة القدم في الشارع، وفجأة تأتي مدرعة عسكرية لتصيبهم بالهلع وتفرقهم في ثوانٍ، إنها المفارقة المحزنة، الزهور في مواجهة البندقية!!.

اختيار الممثلين كان رائعًا، فجيمعهم ذوو وجوه بريئة تشعرك بأنهم يمثلونك، أشخاص عاديون محبون للحياة، مخلصون بسطاء، لا يعادون أحدًا، ليس لهم طموحات في ثروة أو منصب، لكنهم سعداء بالصداقة والعطاء.

الفيلم يفضح الموقف الأمريكي من الانقلاب، ويجعل من البطل ضحية لمعرفته تفاصيل عن التورط الأمريكي في الانقلاب بالصدفة، ولكنه دس أنفه فيما لا يعنيه، على حد قول كابتن «رايتاور» عميل المخابرات الأمريكية هناك، وهو ما يجعل من محوه ضرورة بعد تعذيبه وبمعرفة الأمريكيين أنفسهم.

الفيلم مشوق كعادة أفلام كوستا جافراس وهو يستخدم فيه أسلوب الفلاش باك الذي يبرع فيه، حيث تتكشف الحقائق واحدة وراء الأخرى للأب الملتاع، رجل الدين التقى الذي جاء يبحث عن ابنه المفقود في بلد يبعد عن مدينته نيويورك 16 ساعة طيران، ويظل متمسكًا بهدفه حتى النهاية: أن يعرف ما حدث لابنه وأن يعود به لأرض الوطن.

أثناء رحلة بحثه تتغير رؤيته لأشياء كثيرة وأهمها تصوره عن ابنه الوحيد وزوجته، كان يظنهما أحمقين عاطلين تركا الحياة الرغدة في نيويورك ليحضرا لهذا البلد البائس ويعيشا عيشة الفقراء مع أهلها، لكن بمعايشته لهذه الحياة يدرك كيف كان ابنه شخصية مسؤولة محبة للناس، وكم كان محبوبا مقدرا من رفاقه وجيرانه، وأن «بيث» شخصية شجاعة، كما أدراك جرم بلده، وكيف أن المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية أخفوا عنه خبر إعدام ابنه رغم معرفتهم به، بعد عودته للوطن رفع قضية على وزارة الخارجية الأمريكية لكن للأسف لم تكن لديه إثباتات كافية.

جاك ليمون لعب دور الأب «إد هورمان» وسيسي سباسيك لعبت دور «بيث» زوجة شارلي بشكل رائع وكان جون شيا «شارلي» يمثل البراءة والذكاء في مواجهة الخبث والعنف.

الفيلم لا يمكن اختصاره في كلمات، فهو قصة تتكرر كثيرا، بدرجات مختلفة، ما دامت هناك سلطات تجد في معارضيها أعداء للوطن وتتعامل معهم معاملة الجنود للأعداء في ميادين القتال، تستبيح إراقة دمائهم وتعذيبهم وإخفائهم، فأصواتهم تزعجهم وأغنياتهم للحياة الحرة الأبية تخيفهم كما قال درويش:

«على الأرض ما يستحق الحياة

هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم

باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية