x

محمد أبو الغار الإنسان هو الإنسان محمد أبو الغار الأحد 24-04-2016 21:14


فى المؤتمر الصحفى للرئيس السيسى مع الرئيس الفرنسى صرح ببساطة شديدة وتلقائية بأن الإنسان المصرى حقوقه غير الإنسان الأوروبى، وهو تصريح ينم عن إيمان رئيس دولة بأن شعبه لا يستحق أن يحصل على نفس حقوق نظيره الأوروبى، وهو أمر شديد الغرابة، لأن ما يقصده الرئيس ليس حق المواطن المصرى فى سكن مشابه للأوروبى أو تعليم مقابل للأوروبى أو علاج طبى أو الحق فى العمل، لم يقصد الرئيس ذلك لأن الجميع يعلم أن هذه الحقوق تنالها الشعوب بعد عمل شديد وكفاح سنوات طويلة لبناء دولة متقدمة اقتصادياً. والواقع أن هذه الحقوق لم تصل إليها حتى الآن إلا الدول ذات الديمقراطية المستتبة، وهناك استثناءات بسيطة لدول بها أبشع النظم الديكتاتورية، ولكن الطبيعة أعطتها لفترة زمنية تقدر فى التاريخ الإنسانى بلحظة بسيطة ثروات طبيعية استطاعت بها أن تحقق لمواطنها بعضا من الحقوق المادية التى سوف تتقلص بطبيعة الحال تدريجياً بعد زوال هذه اللحظة. ما يقصده الرئيس هو أن الإنسان المصرى ليس له حق الإنسان الأوروبى فى التعبير عن رأيه أو المطالبة بالحرية أو الديمقراطية، وعليه أن يتقبل برضا أن يتم سجنه، لأنه عبر عن رأيه، وعليه أن يتقبل بصدر رحب أن مستواه الإنسانى أقل من المواطن الغربى. هذا المكنون لا يعبر فقط عن رغبة الرئيس فى إقامة حكم استبدادى بدون أن يفتح أحد فمه، ولكنه يعبر عن قيم تتماشى مع تيار غالب فى المجتمع.

يعتقد أكثر المسلمين فى هذا الوطن أن لهم حقوقا فى المواطنة أكبر من حق المسيحى، وأغلبية المتطرفين من المسلمين يعاملون المسيحيين كمواطنين من الدرجة الثانية.

وعند الكثير من المصريين اعتقاد راسخ بأن الرجل أهم وأعظم، وله حقوق أكبر من المرأة، وهذا واضح فى توزيع الوظائف والأدوار السياسية، وواضح فى منع المرأة من الميراث بالقوة فى الصعيد.

وعند العسكريين المصريين، وهم الذين ترأسوا الدولة المصرية أكثر من ستة عقود، أنهم الوحيدون الذين لهم الحق فى حكم مصر، وأنه حتى الخناقة على الحكم تكون بينهم ولا يدخل فيها المدنيون، ومعظمهم يعتبرون أن قرارهم هو القرار السليم الصحيح، وهو ما حدث مع الرئيس السيسى حين تخلى عن جزيرتين مصريتين فى البحر الأحمر للسعودية بدون استشارة ولا علم رئيس الوزراء ولا البرلمان ولا رئيسه، لأنه اعتقد أن هذا حق طبيعى لرئيس دولة ذى خلفية عسكرية لا يعترف بأهمية البرلمان ولا مجلس الوزراء وربما ولا حتى الشعب المصرى.

وفى نفس السياق، يعتبر ضابط الشرطة أنه المواطن الثانى فى هذه الدولة، والذى يأتى أيضاً فى مرتبة أعلى من الشعب. وحقق النظام، النظام الديكتاتورى المصرى، بعد سنوات طويلة انطباعا داخليا بأن حقوق الإنسان الطبيعية فى مصر ليست متساوية، فحقوق ضابط أو أمين الشرطة فى قتل الفقراء من المصريين فى الشارع أو أقسام الشرطة هى حق طبيعى له.

يأتى بعد ذلك رجال الأعمال الذين تستطيع أموالهم الدفاع عن حقوقهم، ثم المهنيون، فيعتبر الأطباء أنهم طبقة أعلى من المهن الأخرى، ويعتبر أستاذ الجامعة نفسه أعلى من موظف عادى، وهكذا ترسخ الدولة لتقسيم حقوق الإنسان المصرى، مثل الحق فى الحياة والحرية والكلام حسب وضعه فى المجتمع، وحيث إن ظروف مصر كلها زفت، فحقوق الإنسان المصرى بالطبع تكون زفت.

وبالتالى كان طبيعياً أن يعتبر الرئيس السيسى أن مقتل الشاب الإيطالى كان كارثة على مصر، لأن من قتله قد نسى أنه إنسان له قيمة لا يقارن بالإنسان المصرى عديم القيمة الذى قتلت الشرطة خمسة منه، فى محاولة ساذجة لتلفيق أنهم قتلة ريجينى. لا يتفهم الأمن كل هذا الضجيج للبحث عن القاتل واحتجاجات البرلمان الأوروبى والعقوبات التى سوف توقع على مصر، لأنه حسب تعبير شرطتنا العظيمة (أهو كلب وراح). من هذا المنطلق حين قال السيسى رأيه فى أن المصرى ليس له حقوق كان يعبر عن ثقافة حقيقية لرئيس مصر. وهو يقول ذلك ويعلم جيداً أن حقوقه كرئيس مصرى أكبر بكثير جداً من حقوق رئيس فرنسا. هل يستطيع رئيس فرنسا أن يسجن عشرات الآلاف ويقتل شوية من الشعب ويهندس البرلمان الفرنسى؟، الرئيس الفرنسى لا يستطيع أن يتنازل للولايات المتحدة عن جزيرة كورسيكا فى البحر المتوسط بقرار منفرد بدون علم أحد فى فرنسا، بينما الرئيس المصرى فعلها بمنتهى البساطة والهدوء، ولم يكن يعتقد أنه ارتكب كارثة تاريخية فى حق شعبه، لأنه يعتقد أن وضعه فى مصر كإنسان وحقوقه مطلقة يفعل ما يشاء.

أى رئيس مصرى حقوقه أكبر بكثير من الرئيس الفرنسى، ولكن الشعب الفرنسى حقوقه أكبر ألف مرة من الشعب المصرى. الرئيس الفرنسى فى الأغلب سوف يخسر الانتخابات القادمة ويعتزل العمل السياسى فى بيت ريفى، بينما الرئيس المصرى فى كل زمان ومكان يعرف أنه رئيس طول العمر، ولن يخرج إلا فى ظروف غير عادية.

أشكر الرئيس أنه شرح للشعب بوضوح رأيه فيه، وأن حكاية نور عينيه دى حاجة شاعرية لطيفة وليست حقيقة ما يعنيه. سوف يحاول الإنسان المصرى دائماً أن يحصل على حقه فى الحياة، وحقه فى حماية أرضه وجزره، وعليه أن يعلم أنه إنسان مساوٍ فى حقوقه لأى إنسان آخر على وش الدنيا.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية