x

محمد علي إبراهيم قانون الفيس بوك.. يسجن نصف المصريين ! محمد علي إبراهيم الأحد 24-04-2016 16:33


تجلس في مكان ما مسترخيا.. تداعب بأناملك الكيبورد المتصل بجهاز الكمبيوتر المحمول في منزلك أو مكتبك أو حتى داخل نت كافية.. تفاجىء بقوة من الشرطة تقتحم عليك خلوتك أو تنتزعك من وسط زملائك بالمكتب أو أصدقائك بالمقهى.. قائدهم – عاده ما يكون رتبة كبيرة – يبلغك ببساطة انه تم التحفظ على الكمبيوتر الخاص بك وسيتم سحبه إلى إدارة التوثيق والمعلومات بوزارة الداخلية.. المفاجاة تعقد لسانك.. أما لو كنت جريئا ربما تسأل عن التهمة.. إذا عرفتها ستنزل على رأسك كالصاعقة.. تهديد الأمن القومى.. هاررر أسود !

جريمة تقشعر لها الأبدان.. يرتجف منها الشجعان.. عقوبتها احيانا ما تكون إعدام.. ما سبق ليس سيناريو لفيلم سينمائى جديد.. أو تمثيلية كوميدية لرمضان القادم.. لكنها احداث سنعاني منها قريبا.. فقد قرر البرلمان الموقر على نحو عاجل التصدى لتجاوزات الفيس بوك لأنها خطر على الأمن القومى للدولة.. مشروع القانون قدمه النائب جمال عبدالناصر وامتدحه رئيس البرلمان.. ويصدر قبل نهاية الدورة الحالية ..

ويبدو أن سياده النائب يريد إعادة عصر الزعيم عبدالناصر الذي فرض علينا تأشيرة خروج من الداخلية في الستينات حتى نستطيع السفر للخارج.. ومثلها تأشيرة دخول.. لا تستطيع أن تدخل أو تخرج من بلدك مالم تتمتع بالتأشيرتين.. كان ناصر يستطيع حبس البلد كلها إذا لم يعطها تأشيرة خروج أو دخول ..

مصر بها قانون لمكافحة الجريمة الإليكترونية كان يمكن تفعيله بدلا من القانون الجديد.. وهو يعاقب من يخترق حسابات عملاء البنوك والإستيلاء على بطاقات الإئتمان أو نشر صور مخلة لفتيات لإبتزازهن وتشويه سمعتهن أو غيره ..

لكن القبض على أشخاص بحجة تهديد الأمن القومى لمجرد رأى أو نكتة أو حتى شائعة تستحق وقفة.. فأولا الامن القومى لدولة أمنية مثل مصر لا يمكن أن يهدده فيس بوك أو تويتر.. التهديد يأتى من داخل الحكومة ذاتها.. فإخفاء المعلومات في العالم كله جريمة.. لكن في مصر تفسر على انها لحماية الأمن القومى.. معظم الدول المتقدمة تطبق الشفافية.. لكن النظام المصرى يفضل السرية والغرف المغلقة وحظر النشر وعدم الإعتراف بأى معلومات إلا إذا كانت من متحدث رسمى !!

للأسف القانون الجديد ربما يسجن نصف المصريين.. فتهمة تهديد الأمن القومى فضفاضة.. ليس لها معالم.. من ثم اخشى أن تتحول إلى اداة قمع وتصفية للمعارضين.. التجارب السابقة تشى بأن البراءة من هذه التهمة صعبة وقد تستغرق أعواما.. الأهم ما هو تعريف تهديد الأمن القومى بالضبط .!!. هل التسريبات التي تذيعها برامج التوك شو لمسئولين بالدولة تدخل في هذا الإطار ؟! هل سيتم وقف برامج فضائيات معينة! ام أنها ستستخدم لتصفية الخصوم! هل سيسرى قانون الفيس بوك على الجميع أم انه مخصص لفئة المشاغبين وتقليل مساحة الحرية الهامشية التي تدور حولها الصحف والمواقع الإليكترونية ..

هل سيتعارض القانون الجديد مع الدستور الذي ينص على حرية التعبير عن الرآى أم انه يستهدف التضييق على شخصيات بعينها تراها الحكومة أو الدولة خطرا على الامن القومى ..

عقوبات قانون الفيس بوك رهيبة.. بل أنها كفيلة بوضع أكثر من 30 مليون من مستخدمى الكمبيوتر وراء القضبان.. لا تضحك لو قلت لك أن عقوبة الكتابة والنشر المخالفة للقانون على صفحات الفيس بوك أو تويتر تصل إلى السجن المشدد ( 25 عاما ) وغرامة تتراوح ما بين ثلاثة ملايين إلى عشرين مليون جنيه.. يا نهار أسود ..

هذا معناه أن تويتة من سطر واحد تجعلك تقضى بقية عمرك في السجن.. ويقترض أهلك من طوب الأرض ليدفعوا الغرامة و«العيش والحلاوة» في كل زيارة لجنابك ..

لقد سمعنا عن الصبى الذي إخترق نظام وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» وفك رموز وطلاسم إطلاق الصواريخ النووية.. لم يسجن أو يعدم.. اعتبروه عبقريا ضل الطريق ويحتاج تقويما ..

لاحظ اننا شعب دمه خفيف.. بالنكتة نفرج عن همومنا ومتاعبنا.. لكن إذا كانت السخرية ستحبسنا.. بلاش منها.. النظام يريدنا «نكديين».. خلاص.. ان النكتة السياسية هي سلاح الشعب لبعث رسالة للحاكم.. بعد ذلك سيفرضون ضريبة على الهواء الذي نستنشقه.. وربما يركبون لكل مواطن عداد لقياس كمية الطعام التي يستهلكها في العام ..

مسموح لنا بأكل العيش المدعم فقط.. لو فكرت في تناول دجاجة أو لحوم ستدخل شريحة أخرى مثل شرائح الكهرباء.. اتذكر في عام 1967 بعد النكسة أن زادت النكت السياسية ضد القوات المسلحة، فوقف عبدالناصر بجلالة قدره يطلب من المواطنين أن يمتنعوا عن النكت السياسية لأنها تضر الروح المعنوية للجيش ..

انا أعلم أن بعض دول الخليج تمنع الفيس بوك.. ليس لإعتبارات الأمن القومى لكن لأمور تتعلق بالذات الملكية أو الاميرية.. لا تقنعنى أن التويتر والفيس بوك يهددان الامن القومى.. هناك فارق بين الرأى والجريمة.. النقد حتى لو كان جارحا وصادما وساخرا فلا يمثل تهديدا للأمن القومى ..

إن الشروع في إصدار هذا القانون يؤكد أن مجلس النواب يحمى النظام ولا يحمى المجتمع.. الرأى والكاريكاتير والنكتة لا تمثل تحريضا على الجريمة والايذاء والعنف.. أن البرلمان الذي انتخبه الشعب أصبح يحمى النظام والحكومة اكثر مما يدافع عن المصريين ومشاكلهم وازماتهم الاقتصادية والصحية والإجتماعية.. النواب وافقوا على بيان الحكومة لأنهم لا يريدون حل البرلمان.. ببساطة كرسى النائب أهم من الدائرة التي جاء منها ..

الأمن القومى لن يتحقق للدولة إذا أغلقت الفيس بوك أو التويتر.. لا أحد يفكر في انها ربما تكون غطاء «لمرجل البخار» يتم تنفيس البخار منه كل حين حتى لا ينفجر الإناء.. عفوا يا سادة.. الحرية هي التي تحمى الأمن القومى.. اجعلنى اعارضك واناكفك واخالفك واتهمك بالفشل والعجز وإفتقاد التخطيط التخطيط والرؤية السليمة.. هذا ما يقوى الأمن القومى ..

اما أن تستخدم رجالك في الإعلام في تشوية الناس وتلويثهم بشائعات تنال من شرفهم وعائلاتهم فهذه هي الجرائم.. قبل أن تفكروا في حبس الناس وسجنهم، اخرسوا السنة النفاق وابواق المطبلين.. لو أردت أن تطبق قانونا للفيس بوك افعل كما تفعل كل الدول.. اسجن كل من يوزع الإتهامات على اليوتيوب والصفحات الإليكترونية لفضائيات تلميع النظام ..

أن المصريين – وليس المسئولين والدولة – يحتاجون لفرامل لوقف ألسنة السوء التي تسب الجميع كل يوم في برامج التوك شو.. أصبحنا مجتمعا يدمن الشائعات ويصدق الخرافات ويستطاب بالدجالين والمشعوذين ويسعى لنيل البركة من مشايخ يتصدون لفتاوى تخدم السلطان ..

قبل أن تفكروا في قانون لحبس المواطنين بتهمة العبث بالأمن القومى.. اصلحوا من أنفسكم.. اختاروا عقلاء لتسويقكم لدى الشعب بدلا من هؤلاء الذين يثيرون الغثيان والإشمئزاز من ضحالتهم السياسية ومعلوماتهم التي لا تتعد المرحلة الإبتدائية ..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية