تفتكروا إية هي أبرز الموضوعات، التي أثارت الجدل بين المصريين في الأشهر الثلاثة الأولى من 2016؟
دون ترتيب محدد، وبرصد يعتمد غالبًا على ما أثير على محركات البحث وسوشيال ميديا:
قضية إسلام البحيري وفاطمة ناعوت بتهمة ازدراء الأديان، وقضية أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام.
فيديو شادي حسين وأحمد مالك في ذكري 25 يناير.
الاعتداء على أطباء مستشفى المطرية من قبل أمناء شرطة، ومقتل شاب يقود توك توك بالدرب الأحمر على يد أمين شرطة.
إذاعة فيديو «جنسي» على قناة صدى البلد بزعم أنه للمخرج وعضو مجلس الشعب خالد يوسف.
خناقة بين الفنانة ميرهان حسين، وضابطي شرطة من قسم الهرم؛ والقبض على الفنانة غادة إبراهيم بتهمة إدارة شقق للدعارة.
توفيق عكاشة بشكل عام، وتصريحاته المثيرة، ولقاؤه بالسفير الإسرائيلي، وضربه بالجزمة في قاعة البرلمان، وأخيرا شطب عضويته.
تصريحات الرئيس السيسي «مستعد أبيع نفسي» يوم 34 فبراير الماضي، وبشكل عام الحديث كله كأنه مثار هجوم وسخرية مطلقة، أو تأييد ومدح مطلق.
إقالة وزير العدل المستشار أحمد الزند بعد تصريحاته التليفزيونية المثيرة للجدل.
قضية مقتل الشباب الإيطالي ريجيني.
مواقف وطرائف وعجائب مجلس النواب بشكل عام.
أزمة اختطاف طائرة مصر للطيران من قبل مختل، ومرور المختطف بحزام ناسف مزيف من الأمن.
وأخيرًا، وإن كانت ليست في نفس الفترة محل هذا الرصد، ولكن تتشابه كثيرًا مع نفس القضايا، أحقية مصر من عدمه في جزيرتي تيران وصنافير.
*****
ملاحظات سريعة على القضايا التي أثارت اهتمام المصريين:
الكثير من هذه القضايا يتعلق بحرية الرأي والتعبير، ولعبت النزعة الدينية المحافظة الدور الأكبر فيها، فكانت النتيجة تجاذبًا حادًا وخلافا مقيتا وصل للتراشق بأقبح الشتائم، وكانت النتيجة خضوع الدولة للتيار الديني المتشدد.
والعجيب أن هذا يحدث في الوقت التي تخرج فيه الدعوات من أعلى رأس في الحكم تطالب بثورة لتنقيح التراث الديني، يا لها من عدة رسائل تطمئن!
وما كان للشعب المصري أن يغرق في هذه المسائل ويستهلك طاقته في التحزب والهجوم والدفاع، لو أن لدينا قوانين واضحة، ولو أن لدينا دولة قوية قادرة على تطبيق الدستور وحماية حرية الرأي والتعبير بشجاعة، وفرض القوانين التي تحكم ضوابطه وحدوده.
لم تشهد أغلب هذه القضايا أي صورة من صور الإجماع، أو حتى أكثرية مريحة، فأغلب المشهد تتصدره الأصوات الأكثر صخبا وشططا وقدرة على توصيل رسالتها، وأغلب الآراء منطلقة من مواقف سياسية سابقة التجهيز، مشخصنة لأقصي درجة، تتحرك بمنتهى الحدة والسرعة، بناءً على مواقف لأشخاص بعينهم يعتبروا البوصلة الرئيسة لكل فريق، على طريقة «هو قالك فين»؟!
لذا وجدنا أنفسنا أمام مواقف تدعو للدهشة، فكما يقولون، بات الإخوان يستشهدون بمقولات لجمال عبدالناصر، والنشطاء وأنصار التغيير يستحضرون مواقف قديمة لمبارك، ومؤيدو الدولة على طول الخط يتبادلون كلمات للمعارض عمرو حمزاوي!
ودائما المؤامرة حاضرة في كل هذه الخلافات، ما بين اعتناق كامل للفكرة، وتبرير أي جريمة بحجة أن وراءها قوى الشر المتربصة بمصر وبأمنها واستقرارها؛ أو بين رفض قاطع لفكرة المؤامرة، لعدم وجود منطق للتربص يدعو أي دولة أو جهة تطمع في وطن بهذا البؤس؛ على حد تعبيرات الفريقين.
وفي ظل هذا التناحر اختفت تقريبا الجماعات المتعقلة أو وسائل الإعلام الموضوعية التي تتعامل مع الشأن العام والسياسة بالحد الأدنى من الاتزان والموضوعية.
*****
الشبكات الاجتماعية والبرامج التليفزيونية والمواقع الإليكترونية، كانوا في قلب هذه القضايا، سواء لكونهم أول من كشفها للرأي العام، أو من ركز عليها، بل في بعض الحالات كانوا مساهمين في تحديد المسار وقيادة الرأي العام.
وإذا كان يمكن أن نتفهم أسباب التجاذب وعدم الموضوعية في طرح أغلب الآراء على سوشيال ميديا، وهذا حق لا ننكره على أي إنسان، فطالما كان في مساحته الخاصة فله مطلق الحرية أن يقول ويفعل ما يريد، ولكن ليس منطقيا أن يكون هذا التناول سمة الكثير من وسائل الإعلام المحترفة، والتي من المفترض فيها أنها تعمل وفقا لمعلومات ووقائع محددة ومصادر واضحة، تسمح لها بالنشر بعد مرورها بالضوابط المهنية المعروفة.
ومع كل ذلك، لا يمكن أن نتجاهل دور وسائل الإعلام في رصد هذه القضايا وكشف خباياها، ونقل الجدل حولها لآفاق أوسع، في ظل صمت وتخاذل أجهزة الدولة والأحزاب السياسية عن القيام بدورهما الطبيعي.
*****
الملاحظ أيضا أن الشرطة كانت القاسم المشترك الأكبر بين مختلف هذه القضايا، بسبب تجاوزاتها أو إهمالها، فتارة هي مدانة، وتارة أخرى متقاعسة غير مؤهلة، وتارة ثالثة تخرج بتبريرات غير منطقية، تجعلها مثار سخرية وتندر من طرف، ومثار دفاع مستميت وتبرير أعمى من الطرف الآخر.
والحقيقة أن هذا ينسحب على الدولة في مجمل أدائها، بأجهزتها الأمنية المتصارعة، وأجهزة الحكم المتقاعسة، كلهم مشاركون في أن تستحوذ هذه القضايا على المناخ العام، وتتوسع وتستفحل بهذا الشكل، فتهدر طاقة شعبية جبارة في جدال «وهري» أغلبه على مسلمات وبديهيات.
وفي ظل غياب المعلومات وكراهية الشفافية والوضوح، وتعمد تغييب الشعب عن حقائق حاضره ومستقبله بدواع أبوية عفي عليها الزمن، فطبيعي أن تتحول الحبة إلى قبة، والباطل إلى حق، والحق إلى باطل، ويفقد الكثير من الناس الثقة في منظومة العدالة والحكم.
لأنه في ظل استراتيجية «دارى على شمعتك تقيد» تسود الضبابية وينقسم الوطن، بل وتتفتت أوصاله، ويذهب كل فريق لقبيله، وتلتبس على الجميع القيم والثوابت التي تجمع أبناء الوطن الواحد.
*****
صحيح، أين مجلس النواب من كل هذا؟!
بصراحة لولا نوادره ما عرفنا أنه موجود أصلا، وعلى حد علمي لم أسمع أنه ساهم بأي صورة في حل أو حتى تعقيد أي قضية من القضايا السابقة، فمساهمته مع ندرتها غالبًا ما تكون هامشية، غالبا تكون شاخصًا أبصارها لموقف الدولة، عملا بمنهج «إنا لكم تبعا».
باختصار مجلس النواب ليس حاضرًا في أي من هذه القضايا، ويمكن أن يطلق عليه بضمير مستريح «شاهد ماشفش حاجة»، لأنه انسحب بإرادته وبأحزابه من المشهد السياسي قبل وبعد مسرحية تعين-انتخاب اعضائه، لذا لم يعد البرلمان مؤثرًا أو فاعلا، ولم تعد الرئاسة ولا الحكومة تحسب له حسابًا أو تقيم له وزنًا.
*****
المحزن حتى البكاء أن كل هذا القضايا كان يمكن أن تنتهي قبل أن تبدأ، لو أن لدينا في منظومة الحكم من يفكر ويعقل ويزن الأمور، فيستعد بشكل استباقي ويتوقع العواقب؛ ولو أن لدينا من يجيد إدارة الأزمات ووأدها في مهدها قبل استفحالها، بل يصنع من الأزمات فرص نجاح كما تفعل الإدارات الذكية.
ولو أن لدينا من يفند باحتراف وتجرد الخيارات المتاحة، ويختار بحسم وسرعة وحكمة أقلها ضررًا، ثم يتابع النتائج، ويتعلم من الخطأ قبل الصواب، ويعتذر صراحة عند الضرورة.. ولو، ولو، ولو.
ولكن حالنا يقول إننا نعيش في دولة عنيدة لا تعرف إلا مهنة المقاولات، فتدير حياتنا بـ«اليومية»، وتعشق مبدأ ترحيل الأزمات لعلها تحل من تلقاء نفسها، أو بفعل الزمن، فالناس تنسى، والواقع أن الناس تنسى فعلا، ولكن بفعل الأحداث الجديدة الأشد فجرًا وفظاعة من سابقتها.
وهكذا تتكرر الحوادث، فنخرج من نقرة فنقع في دحديرة، وللأسف نقع معصوبي العينين، لأننا ارتضينا أن نسير بإرادتنا الحرة نحو المجهول، وربنا يستر.
للتواصل مع الكاتب [email protected]