x

سمير فريد الأرض بين الصحراء والحقول سمير فريد الإثنين 18-04-2016 21:05


وصلتنى رسائل عديدة تعليقاً على مقال السبت الماضى عن مشكلة صنافير وتيران، منها من يستنكر ما وصفه بعدم احترام الخرائط والوثائق، ويقول إن طابا عادت لمصر بواسطة الخرائط. ومن يستنكر القول بأن الجزيرتين لمصر بحكم الدم، ويقول إن دماءنا سالت فى اليمن أيضاً، فهل أصبحت اليمن من حق مصر!

ومع احترامى لهذه الآراء، إلا أنها تستند إلى المنطق الشكلى، فلم يكن المقصود عدم احترام الخرائط والوثائق، ولا أن كل أرض سالت عليها دماء مصرية تصبح مصرية، ولكن خرائط الحدود من صنع أيد بشرية، ولأغراض سياسية، والخرائط التى وضعها اللوردات الإنجليز للبلاد العربية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية تعمدوا فيها صنع مشاكل حدودية بين هذه البلاد، والتى تعرف بـ«مناطق متنازع عليها»، وذلك حتى تحول دون وحدتها مرة أخرى، وإشعال الحروب بينها عند اللزوم، وألم تكن حرب صدام العراق فى الكويت بسبب «منطقة متنازع عليها». وليست صنافير وتيران وحدهما المتنازع عليهما بين مصر والسعودية، فهناك واحة جغبوب على حدود مصر وليبيا، وحلايب وشلاتين على حدود مصر والسودان، وكانت طابا على حدود مصر وفلسطين قبل أن تعود بحكم المحكمة الدولية، إنها فخاخ منصوبة وألغام مدفونة لم تنفجر، وما فجر اللغم بين مصر والسعودية هو التوقيت الذى تعيش فيه مصر لحظة ضعف، وفى حاجة إلى مساعدة السعودية، مما جرح الكرامة الوطنية من دون قصد، أى من الطرفين بالطبع، ولعل ما يجب عمله بعيداً عن الخرائط والوثائق ما يفيد البلدين وكل دول البحر الأحمر.

كاتب هذه السطور من الذين يرفضون النظرية الاستعمارية، بل لا يستخدم كلمة استعمار لأنها من عمار الأرض الخراب، ولو استخدمها عبدالناصر وجمال حمدان لشيوعها، ويستخدم بدلاً منها كلمة احتلال، وتلك النظرية تقوم على أن هناك ثقافة متخلفة وأخرى متحضرة، بينما كل الثقافات متحضرة طالما أدت إلى بقاء المجموعة البشرية التى تؤمن بها، ولم تنقرض مثل جماعات أخرى.

واحترام كل الثقافات من ثقافة العربى فى بعض مناطق أفريقيا إلى ثقافة التغطية فى بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، لا يعنى أن الثقافات متشابهة، وإنما مختلفة وأحياناً متناقضة، فثقافة البدو الصحراوية مثلاً التى تقوم على التجارة تختلف جذرياً عن ثقافة الفلاحين النهرية التى تقوم على الزراعة، وربما تنفر الأجيال الجديدة فى السعودية والخليج من كلمة بدو، وهم مخطئون فى ذلك، ونحن فى مصر الآن نستورد القمح من السعودية على أية حال.

الأرض الصحراوية مخيفة وانظر إلى دعاء السفر فى الصحراء، والتوسل إلى الله ليخفف عن المسافرين كآبة المنظر وسوء المنقلب، أما الأرض الزراعية عند الفلاح فهى حبه وحياته، وانظر إلى فيلم يوسف شاهين «الأرض»، وكيف تروى الأرض بالدماء وليس فقط بالماء، وهذا ما لم يوضع فى الحسبان أيضاً عند وضع المعاهدة المصرية السعودية، وما يفسر الغضب الشعبى فى مصر، عندما قام عمرو بن العاص وهو من فرسان أرستقراطية البدو بغزو مصر، قال إن كل الناس سواسية، وعندما سأله أحدهم هل ترضى بزواج ابنتك من فلاح، كان رده ألقيها للتمساح ولا أزوجها لفلاح!

■ وصلتنى الرسالة التالية من الأستاذ الدكتور يحيى نور الدين طراف:

لاحظت كما لاحظ الجميع أن إعلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، فى مدخل خليج العقبة، والتى بمقتضاها آلت جزيرتا تيران وصنافير للسعودية، قد صاحبته تأكيدات بأن السعودية - وهى طرف ثالث لم يكن موجوداً عند توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل - سوف ترث التزامات مصر الأمنية فى الجزيرتين تجاه إسرائيل، كما قررتها معاهدة السلام، حيث تقع الجزيرتان فى المنطقة «ج» منزوعة السلاح، كما اتضح لنا أن إسرائيل كانت على علم بتفاصيل اتفاقية تعيين الحدود فلم تفاجأ بها، وأنها بدورها سوف تعرض هذه المتغيرات الأخيرة على برلمانها للتصديق على تعديل المعاهدة فى ضوئها.

فلماذا لم تعاملنا إسرائيل بالمثل، أو بالأحرى لماذا لم نطالب بحقنا فى هذا، وذلك حين انسحبت إسرائيل انسحاباً أحادياً من غزة عام 2005، فلا هى أطلعتنا مسبقاً على نيتها تلك وتباحثت معنا بشأنها، ولا هى أكدت لنا أن السلطة التى ستحل محلها فى القطاع أياً ما كانت سوف تلتزم بالبنود الأمنية المقررة فى معاهدة السلام تجاه مصر.. ولماذا لم نطالب آنذاك بتعديل للمعاهدة فى ضوء الوضع الجديد على الأرض يسمح لقواتنا بالانتشار بالكثافة والقوة الفاعلة التى نراها حول القطاع حماية لأمننا القومى.

لقد ترتب على انسحاب إسرائيل من غزة ثم قيام دولة حماس فيما بعد، أن استجد وضع لم يكن موجوداً وقت توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام، وبرز طرف ثالث على الأرض لم يكن موجوداً وقت توقيع المعاهدة بين مصر وإسرائيل، ليس على وفاق مع مصر فى معظم الأحيان، ولا يلتزم بتلك المعاهدة ولا بترتيباتها الأمنية، فوجدت مصر نفسها داخل المنطقة «ج» المتاخمة للحدود مع غزة، فى مواجهة غير متكافئة بين شرطتها المحدودة هناك بمقتضى المعاهدة، وبين آلة حماس العسكرية، فحدث ما حدث فى سيناء، مما لاتزال قواتنا تعالج آثاره إلى اليوم، وتفقد يومياً الشهداء والمصابين.

فلماذا لم تؤكد لنا إسرائيل بالأمس أن الطرف الثالث فى غزة سوف يلتزم ببنود معاهدة السلام بيننا، بينما حرصنا أول ما حرصنا اليوم على أن نؤكد لإسرائيل أن الطرف الثالث الجديد فى تيران وصنافير، سوف يلتزم تجاهها بكل التزاماتنا نحوها فى المعاهدة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية