x

مصطفى حجازي عن «تيران وصنافير» ما قبلَهما وما بعدَهما..! مصطفى حجازي الأحد 17-04-2016 21:10


بعيداً عن شبهة المكايدة السياسية وعن «زفة» المداهنة والتزلف.. واللتين أراد البعض إقحامهما على قضية ترسيم الحدود.. ودعوى أحقية دولة شقيقة فى جزيرتى تيران وصنافير- وذلك على غير «الثابت التاريخى»- فما يلزم أن نقرأه «فى» قضية الجزيرتين أهم مما نقرؤه «عن» حالهما الآن أو فى المستقبل..

وهذا كتابنا..

أولاً: مصر «القلب» أو «المركز»- أو «الصغرى»- سمِّها ما شئت- دولة معلومة الحدود منذ خمسة آلاف سنة على الأقل.. لم تأت حدودها وليدة صفقات حماية ولا بأقلام انتداب..!

و«مصر» تلك تعرف مرتكزات أمنها القومى الواقع خارج حدودها الضيقة إلى حدود الأمن القومى المصرى الأوسع.. والممتدة من الحدود التركية شمالا إلى باب المندب فى الجنوب الشرقى إلى هضبة الحبشة جنوباً وإلى عمق ليبيا غرباً.. وسَمِّها مصر «الكبرى» إن شئت..!

ثانياً: لم يحدث فى التاريخ المصرى المعلوم أن ساومت «الأمة المصرية».. ناهينا عمن حكموا أرضها.. حتى فى أتعس وأحط فترات تاريخها.. عن معلوم من حدود «القلب المصرى» بالضرورة.. بل كانت مصر- دائماً- منطلقاً للتوسع حتى لمَن احتلوها..!

حتى مَن احتلوها لم يختزلوها.. بل اتسعت بهم لتكون قاعدة هيمنة..!

ثالثاً: قضية الأرض لنا كمصريين هى المكافئ الموضوعى لـ«الشرف الوطنى».. والقدرة على الذود عنها هى جوهر ذلك الشرف.. هذا ليس تعبيرى وحدى ولكن هذا هو التعبير الذى استخدمه أحد كبار هذه الأمة- من زمن كان فيه كبار- وهو الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض.. حين قال بأننا لو لم نستعد أرضنا السليبة فى هزيمة 1967.. لأصبح شرف هذه الأمة على المحك..!

وقال الرجل موضحاً ضميره وحديث قلبه.. بأنه لا يقصد شرف هذه الأمة بالمعنى المُجَرد.. بل يقصد شرف كل رجل وكل امرأة وكل طفل يحمل قَدَرَ هذا البلد واسمه..!

رابعاً: قَدَر مصر هو قَدَر الكبار.. وهو مسؤولية قيادة العروبة والإقليم..!

هذا ليس اختياراً.. بل قَدَر تاريخى لا تملك أن تَذهَل عنه ولا تملك أن تتنازَل عنه.. وإلا ضاع الإقليم.. وما نشهده اليوم من ضياع لم يكن ليكون لولا فراغ تركته مصر عقوداً..!

خامساً: الكبار يعرفون أنه فى لعبة السياسة والهيمنة الدولية.. يملك الكبار مرتكزات استراتيجية على خريطة العالم السياسية.. وإن لم يملِكوها إرثاً.. تملَّكوها قسراً بالتوسع والاحتلال أو الحيلة..!

ولولا ذلك ما احتلت إنجلترا مصر من أجل قناة السويس وما بقيت محتلة جبل طارق حتى تاريخه.. وما احتلت إيران جزراً عربية إماراتية حتى اليوم.. وما ضمَّت روسيا «القرم» بدعوى الحقوق التاريخية..!

ولم نعرف عن كبار يساومون على مرتكزات استراتيجية ذات قيمة حتى وإن لم يملكوها.. فما بالنا بـ«مرتكزات استراتيجية» حجية الملكية التاريخية قائمة فى شأنها بشرعية «الثابت التاريخى».. قبل وبعد «قانونية الوثائق».. حتى ولو كان لحديث قانونية الوثائق بعض من منطق..!

سادساً: «الثوابت التاريخية» تنشأ فى قلب ووجدان الشعوب قبل أن يحدها حبر الخرائط.. وتَحرُس سيرَتها قصص الموروث الشعبى قبل أن تحدثنا عنها وثائق القانون الدولى.. وتُعَمد بالعرق والدم.. وتشهد بـ«شرعيتها» أرواح رجال أُزهقت.. قبل أن تشهد بملكيتها صكوك تُشترى..!

سابعاً: فى شأن الأوطان والشعوب- ولمَن يعى- «شرعية» الثابت التاريخى تجُبّ كل «قانونية» مُختَلَقة.. ولولا ذلك لكان التمييز والفصل العنصرى ضد مواطنى جنوب أفريقيا- فى أرضهم- أمرا شرعيا.. ولكان قيام إسرائيل على أرض فلسطين اغتصاباً مشرعناً..!

وبالمناسبة لم يعدم المحتل الأبيض من الوثائق ما يؤكد «قانونية» الفصل العنصرى.. وبمثله لا تعدم إسرائيل من أوراق القانون الدولى ما يثبت قانونية وجودها..

ولكن «الباطل التاريخى» حتى وإن تلبس وثائق قانونيته.. فهو ليس أبداً «حقا مشروعا» ولن يكون..!

ثامناً: فى قضايا المصير والبقاء.. وهما جوهر الأمن القومى لأى وطن.. لا يملك أحد- رئيساً كان أو وزيراً.. رمز دين أو رمز فكر.. مؤسسات سيادية أو غير سيادية- ادعاء تفرده بولاية أو احتكاره لشرعية قرار..!

فقضية «أرض الوطن» لمَن لايزالون تستغلق عليهم حقائق الأمن القومى.. هى قضية فوق الدساتير.. تُستقى شرعية الحديث فيها من أصل الشرعية وهو الشعب كله.. بلا مساومة ولا تدليس..!

تاسعاً: الوطنية «عقيدة» لا يُستَدَل عنها بزى يُرتدى ولا بمؤسسة يُنتمى إليها.. ولا باحتكار الحديث عنها.. الوطنية مسؤولية كل مَن اعتقدوا فى مصر وطناً يملكونه ويَملكهم.. ومَن ورثوا عقيدة أمنها القومى عن التاريخ الذى لا يُحابى أحداً!

عاشراً: قضية الجزر وما مثلها لم تنتهِ بعد.. فالقول الفصل فى مثل تلك القضية هو لـ«الأمة المصرية» وحدها.. لا لممثلين عنها.. ولا لمؤسسات أمنها ولا بيروقراطيتها..!

والأمة المصرية لم تُفرط فى حدود «مصر القلب» فى تاريخها المعلوم.. بل كثيرا ما كان القلب يتسع لتكون مصر الكبرى كما كانت على عهد محمد على.. وعلى أقل تقدير مصر وسودانها حتى نهاية حكم الدولة العلوية..!

فلنقرأ كتابنا.. فلنقرأ «فى» قضية الجزر «حدود مصر القلب» التى لم يُساوَم عليها فى تاريخها.. ولنقرأ فيها «أمةً» لم تتنازل عن شرفها مهما وهنت ولم تأبه بمَن حكموها.. ولنقرأ فيها مستقبل المصير والبقاء.. ولنقرأ فيها «الوعى الغائب» عن أبجديات أمن قومى.. ولنقرأ فيها «قَدَرَ الكبار» وهو التكليف الذى لا حيدة عنه مهما ذهل عنه مَن ليسوا على قَدْرِه..!!

لنتيقن أن الجزر لن تَذهَب.. ولكنها ستُذهِب صفحة من تاريخنا الحديث مليئة بالصَّغار.. هذا ما سنقرؤه فيها..!

فَكِّروا تَصِحُّوا..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية