رغم كثرة ما قيل من كلام حول تيران وصنافير فما زلت أجد ما أقوله من كلام لم يتطرق إليه أحد من الذين رغوا وأزبدوا، مؤيدين للمسألة أو معارضين لها. فقد تناولها البعض من وجهة نظر تاريخية وتناولها آخرون من زاوية جغرافية. ولم يتطرق أحد للمسألة من وجهة نظر سياسية. وهى الوجهة الأقرب للمنطق فى تفسير ما حدث. فالجزيرتان من الوجهة التاريخية أو الجغرافية مصريتان ولكن من الوجهة السياسية كان لابد أن يجرى التنازل عنهما. هكذا رأت القيادة المصرية مضطرة – للطرف الذى تطمئن له إسرائيل أكثر مما تطمئن لمصر، وإذا كان قد قيل إنهما جزيرتان سعوديتان تنازلت عنهما لمصر فى مطلع الخمسينيات لعجز السعودية عن الدفاع عنهما وقدرة مصر على ذلك، فيظل هذا هو السبب نفسه لتنازل مصر الآن عنهما للسعودية التى تطمئن لها إسرائيل أكثر من مصر. فالسعودية لن تفكر – فضلا عن أنها لا تقدر – على إغلاق مضائق تيران فى وجه السفن الإسرائيلية كما فعلت مصر. وكما فى إمكانها أن تفعل إذا سنحت الظروف. ويبدو أن ذلك كان شرطًا أبدته إسرائيل للموافقة على إقامة الجسر المزمع إنشاؤه بين السعودية ومصر عبر تيران وصنافير. وهو ما لم يمكن التصريح به من أحد الطرفين مصرياً كان أو سعودياً.
أما انزعاج إسرائيل الذى أعلنته فور الإعلان عن ذلك فهو لا يعدو كونه نوعًا من ذرّ الرماد فى العيون؛ لتمرير المسألة دون إحراج لأصدقائها. فقد كانت إسرائيل على الخط منذ البداية. فالمسألة إذن لا يجدى فيها الكلام عن التاريخ أو الجغرافيا. أو حتى عن حقوق السيادة. فهى مسألة سياسية تشبه ما حدث حول مزارع شبعا السورية تاريخيًّا وجغرافيًّا. رأى بشار الأسد أن يقر بأحقية لبنان فيها فتنازل عنها ليعطى مبرراً لحزب الله بأن يطالب ويعمل على تحريرها ضمن ما يطالب به من أراضٍ تحتلها إسرائيل. بعد أن رفضت الجلاء عنها باعتبارها أرضًا سورية يجب التفاوض عليها مع الجانب السورى الذى يرفض بتاتًا التفاوض مع إسرائيل اعترافًا بها. فكان تنازل سوريا عن شبعا قراراً سياسيًّا يناقض التاريخ والجغرافيا وكل اعتبارات السيادة. ومادام الحديث هنا يجرى عن السياسة. فلابد أن نقر بخطأ سياسى فادح ارتكبته القيادة المصرية التى اختارت هذا التوقيت بظروفه غير المواتية، وسط الحديث عن فيض غامر من المساعدات والهبات السعودية لمصر للإعلان عن الاتفاق لترسيم الحدود والتنازل بمقتضاه عن الجزيرتين، لتبدو المسألة وكأنها نوع من المقايضة جرى فيها التنازل المصرى مقابل «الرز»!.
لعل ذلك هو السبب فى الضجة المبررة لجموع المصريين الذين شعروا بالإهانة والهوان وأذى المشاعر الوطنية، إذ رأوا فيما حدث التنازل عن الأرض فى مقابل بعض العطايا!.