x

إبراهيم البحراوي عذاب اليهود انتهى فلماذا يستمر عذاب العرب؟ إبراهيم البحراوي الأحد 17-04-2016 21:21


هذه رسالة موجِّهة للإسرائيليين عبر قناة القارئ العربى، وعنوانها يمثل جوهر مضمونها. أعلم أن هناك ثلاثة قطاعات فى الرأى العام الإسرائيلى: الأول قطاع يمكن اعتباره مقابلاً لـ«داعش»، فهو يتسم برؤية أيديولوجية متطرفة ترى أن العرب الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة نوع من الكائنات غير المرغوب فى وجودها، يفضل التخلص منها إن أمكن ليتسنى تحقيق الأطماع الصهيونية بضم الضفة إلى إسرائيل. أما القطاع الثانى المناقض فهو قطاع أقل عدداً، وهو يتسم برؤية عقلانية تقوم على مقايضة الأرض بالسلام، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل لضمان العيش بسلام.

أما القطاع الثالث فهو قطاع الوسط، وهذا قطاع تقوم رؤيته على النظرة العملية النفعية، فإذا حقق له القطاع الأول مصالح بسياساته المتشددة دون تكاليف باهظة فهو سيرحب، أما إذا اكتشف أن سياسات التطرف والقوة ستجلب له الضرر فإنه سيفضل الانحياز إلى رؤية الطرف العقلانى إيثاراً للسلامة. السؤال الذى أطرحه هو محاولة جديدة من الجانب العربى لتعزيز موقف القطاع العقلانى فى إسرائيل، وهى مجرد محاولة ثقافية بعد أن طرح القادة العرب مبادرتهم السياسية للسلام فى قمة بيروت عام ٢٠٠٢ متضمنة كل ما كان يحلم به الإسرائيليون من علاقات سلام وتطبيع.. إلخ، مقابل الانسحاب من الأرض المحتلة. طبعاً تعامل القطاع المتطرف فى إسرائيل، ممثلاً فى ليكود وأحزاب اليمين، مع المبادرة بتجاهل؛ لأنها ببساطة تتناقض مع أطماعه التوسعية. إذن أنا أدرك أن أقصى ما يمكن أن تسفر عنه محاولتى هذه هو تشجيع القطاع العقلانى فى إسرائيل القابل لرؤية الدولتين، والذى للأسف فقد السلطة قبل أن يطرح العرب مبادرتهم السياسية المذكورة. معروف تاريخياً أن عذاب العرب فى فلسطين قد بدأ فى نهايات القرن التاسع عشر الميلادى نتيجة لنشأة الحركة الصهيونية التى كان مؤسسها تيودور هرتزل يبحث عن حل لمشكلة اليهود الأوروبيين المنحدرين من مملكة الخزر الأوروبية. لابد من أن نعترف بأن هؤلاء اليهود كانوا طوال العصور الوسطى يذوقون العذاب ويتجرعون مرارة الاضطهاد الدينى المسيحى لهم، وأن نقول لأوروبا إنه كان عليها أن تكفّر عن ذنوبها تجاههم إما بخلق ظروف إنسانية صالحة لحياتهم كأقلية فى المجتمعات المسيحية، وإما بخلق وطن يهودى لهم فى منطقة خالية. مثل هذا الحل الأخير كان سيضع نهاية لعذاب اليهود دون أن يخلق حالة عذاب لشعب آخر. صحيح أن الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية قد عرضت على هرتزل مكانين فى مستعمراتها، أحدهما فى أوغندا والثانى فى الأرجنتين، غير أنها لم تتخذ خطوات عملية وسياسية فعالة تقنع اليهود بإقامة دولتهم هناك. بهذا تركت بريطانيا هرتزل أعزل، وهو العلمانى الذى يبحث لليهود عن ملاذ من العذاب، فى مواجهة عنف المجموعة اليهودية التى صممت على أن تكون فلسطين مكان إقامة الوطن اليهودى. لقد شاعت بين اليهود فى أوروبا فى نهاية القرن التاسع عشر، منذ ما قبل انطلاق حركة هرتزل وعقد المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل، مقولة زنجويل عن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). كانت هذه المقولة تسهل فكرة الهجرة إلى فلسطين باعتبارها أرضاً خالية من البشر لا ينطوى الذهاب إليها على أى مخاطر أو صراعات. بقيت الفكرة على الرغم من أن المفكر الصهيونى آحاد هاعام قام برحلة إلى فلسطين فى بداية العقد الأخير من القرن التاسع عشر قبل سنوات من عقد مؤتمر بازل عام ١٨٩٧، وعندما اكتشف أنها مأهولة بالعرب كتب مقالاً بعنوان «الحقيقة من أرض فلسطين» يبين فيه الحقائق السكانية التى رآها. على الرغم من هذا، ومع أن ماكس نورداو، الفيلسوف المقرب من هرتزل، قد نبَّهه إلى اكتشاف أن فلسطين التى يسمونها «أرض إسرائيل» ليست أرضاً خلاءً، وأن هناك شعباً عربياً يعيش عليها، فقد ظلت الفكرة تلعب برؤوس بعض الشباب اليهودى الذى يلاقى العذاب والمذلة والنبذ فى المجتمعات الأوروبية، وتسهل له فكرة الرحيل إلى فلسطين بدلاً من الخيارات الأخرى. إن فكرة الأرض الخلاء لم تتبدد فى أذهان اليهود الأوروبيين إلا بعد أن بدأ الفلاحون والبدو العرب فى شن الهجمات على المستعمرات اليهودية بعد أن أدركوا بغريزتهم أن هذه المستعمرات القليلة تنذر فى المستقبل بخطر مستطير. هنا بدأت حالة حوار ومناظرات بين المفكرين الصهاينة فى الصحف العبرية، يعترفون فيها بالوجود العربى على الأرض، ويطرح كل منهم منظوراً لكيفية التعامل مع العرب، واستكمال المشروع الصهيونى. لقد قام البروفيسور يوسف جورانى بالتنقيب فى صفحات الصحف العبرية القديمة منذ بداية القرن العشرين وبعد ذلك، وكشف عن هذه المناظرات فى كتابه الذى يحمل عنوان «الحلم الصهيونى وتحقيقه». لخَّص الرجل هذه المناظرات فى أربعة مناظير يمكن العودة لها بالتفصيل، وهى: أولاً: منظور يعترف بسماحة الحضارة العربية الإسلامية وأفضالها على يهود الشرق، وبالتالى يدعو للاندماج فى الثقافة العربية والمجتمع العربى. أما المنظور الثانى فو منظور يستعلى على الثقافة العربية، وبالتالى يدعو إلى الانفصال عن العرب ومعاملتهم بالقوة. أما المنظور الثالث فهو منظور جاء به الشباب اليهودى المتأثر بالاشتراكية وأفكارها فى أوروبا، ويدعو إلى إنشاء تحالف طبقى بين الطبقتين العاملتين اليهودية والعربية. أما المنظور الرابع فهو يدعو لنظرة عملية براجماتية تتعامل مع العرب على أساس تبادل المنافع. لقد نشأت هذه المناظير فيما بين عامى ١٩٠٧و ١٩١٥ وراحت تتفاعل وتتطور إلى أن تغلب المنظور الثانى القائم على الاستعلاء على العرب والانفصال عنهم واستخدام القوة معهم تحت شعار «الجدار الحديدى» الذى اخترعه فلاديمير جابوتنسكى، الأب الروحى لحزب ليكود الحالى فى العشرينيات من القرن العشرين، وهو الشعار الذى طوَّره جيل القادة الحالى من ليكود ليصبح ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة لرفض فكرة مقايضة الأرض بالسلام والأمن وإيجاد بديل قمعى لها. فى مقال تالٍ سأقدم قراءة لملحمة «ماساداة» الشعرية التى كتبها بالعبرية فى العشرينيات من القرن العشرين الشاعر يتسحق لمدان، ويقدم فيها رؤيته للخيارات التى كانت مطروحة على الشباب اليهودى الخاضع لتاريخ العذاب الأوروبى لنواصل طرح السؤال الوارد بالعنوان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية