نقلاً عن جريدة «الحياة» اللندنية
حدد المسؤولون فى موريتانيا منتصف شهر يوليو المقبل موعداً لانعقاد القمة العربية السابعة والعشرين فى العاصمة الموريتانية نواكشوط. وسيحتاج الزعماء الموريتانيون إلى كل دقيقة من الوقت من أجل الإعداد لهذه القمة. فالوقت الذى يفصلنا عنها قصير، والظروف الموضوعية التى تمر بها المنطقة ليست متوافرة «لعقد قمة عربية ناجحة»، كما جاء فى البيان الذى أدلت به وزارة الخارجية المغربية لشرح الأسباب التى دفعت المغرب إلى الاعتذار عن عدم استضافة القمة كما كان مقرراً.
إن القمة، كما يفهمها الزعماء المغاربة، ليست مجرد مرصد لتشخيص الأوضاع المتفاقمة والمريرة فى المنطقة العربية، وهى ليست ملتقى يقصده أصحاب النوايا الطيبة من أهل الخير والمروءة العرب للتعبير عن مشاعرهم تجاه الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولى عموماً، وهى ليست مناسبة لصياغة هذه المشاعر والنيات فى توصيات وتمنيات. إنها مؤتمر لأهل الحل والعقد وأصحاب السلطة فى نظام إقليمى هو من أكثر النظم «دولتية» و«مركزية» فى العالم. أى أن الزعماء العرب قادرون على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة، بل وحتى تنفيذها إذا أرادوا ذلك.
إذا اجتمع الزعماء العرب فى هذا المؤتمر واكتفوا بالتوصيات والمناشدات والتمنيات، وإذا استهلكوا الوقت المخصص للقمة بخطابات توحى بأن المنطقة العربية لاتزال موحدة ومتماسكة رغم النزاعات المسلحة التى تجتاحها والاضطرابات المنتشرة فيها، لوضعوا صدقيتهم، واستطراداً صدقية القمة العربية، على المحك. إن المرء لا يتوقع الكثير من الاجتماعات الرسمية إذا اقتصرت على رؤساء الحكومات أو الوزراء. صحيح أن هؤلاء هم من أفراد النخب الحاكمة الذين يؤثرون على صنع السياسات، إلا أن التأثير شىء والقول الفصل شىء آخر، فهذا متروك لزعماء الدول. وإذا اجتمع هؤلاء من دون أن يصدروا قرارات حاسمة فسيصاب الرأى العام بإحباط كبير.
وحيث إن «الظروف الموضوعية»، كما تراها الخارجية المغربية، لا تسمح لزعماء الدول بتقديم الإجابات الحاسمة على المشكلات العربية المستعصية، وحيث إن هذه المعضلات بلغت حداً من التعقيد والاستفحال إلى درجة أنه لم يعد باستطاعة الزعماء العرب المجتمعين فى القمة الوقوف مكتوفى الأيدى تجاهها، خاصة أمام الرئيسى منها، مثل الخلافات التى يعيشها العالم العربى، والتدهور الذى أصاب قضية فلسطين، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية، فإن من الأفضل، فى تقدير الخارجية المغربية، الابتعاد عن دغدغة الآمال غير الواقعية لدى الرأى العام العربى عبر عقد مؤتمر القمة العربية.
ولكن إلى متى تؤجل القمة؟ يجيب بيان الخارجية المغربية عن هذا السؤال المضمر بالإشارة إلى أن المغرب مثله مثل سائر الدول العربية يتطلع إلى يوم تتوافر فيه إمكانية «عقد قمة للصحوة العربية» و«لتجديد العمل العربى المشترك» الذى يرسى الآمال العربية على أرض صلبة وينجب الحلول المعقولة، مثل ميثاق الصخيرات الذى شكل مدخلاً ناجعاً لحل المعضلة الليبية. فضلاً عن ذلك فإن القمة ليست، فى تقدير الخارجية المغربية، هدفاً فى حد ذاته، بل هى وسيلة لتحقيق التضامن والتعاون والسلام العربى- العربى.
إن اعتذار المغرب عن عدم استقبال القمة السابعة والعشرين أثار الأسف لدى الأوساط المعنية بالنظام الإقليمى العربى، أما الأسباب التى قدمتها الخارجية المغربية فى تفسير الاعتذار فقد أثارت المزيد من الأسف. فالمرء يجد فى هذا التفسير مقداراً محموداً من الجدية والواقعية، اللتين تطبعان نهج المغرب تجاه القمة مثلما تطبعان المناخ السياسى المغربى عموماً. وكان المأمول أن تسم الجدية التى تتعامل بها النخبة السياسية المغربية مع الشأن العام عملية الإعداد للقمة بمعناها الواسع وبعيد المدى، أى الذى يضعها فى مقدم المساعى الدولية الرامية إلى إنهاء النزاعات المسلحة التى تجتاح المنطقة العربية، بل حتى الأراضى المجاورة لها. إلا أن الانطباع الراجح فى الرباط، كما يدل بيان الخارجية وتصريحات المسؤولين المغاربة، هو أن الظروف العربية الراهنة، خاصة فى الدول العربية المتخاصمة، لا تسمح بعقد مؤتمر قمة ناجح يتجاوز الطابع «المناسباتى»، كما وصفه بيان الخارجية. من هنا كان الابتعاد عن تنظيم المؤتمر. ولكن حتى لا يستخدم الموقف المغربى بما يخالف النيات التى حفزت إليه، وحتى لا يتحول إلى نموذج يستحضره من يسعى إلى تحقيق أهداف تناقض فكرة التعاون الإقليمى العربى، فلعله من المفيد الأخذ فى النظر الاعتبارات التالية:
أولاً: إن اعتذار المغرب عن عدم استضافة القمة السابعة والعشرين لم يأتِ فى وقت عادى، بل فى وقت تنشط فيه المساعى والمشاريع الرامية إلى إقامة نظم إقليمية جديدة على أنقاض النظام الإقليمى العربى. وغنى عن التوضيح أن العديد من هذه المشاريع لا يتماشى مع مصالح العرب وتطلعاتهم، بل مع تطلعات من يرغبون فى الهيمنة على المنطقة وعلى شعوبها. ومن المؤكد أن المغرب ليس طرفاً فى هذه المشاريع ولا يستفيد منها ولا يرغب فيها. ولكن الساعى إلى تحقيق مثل هذه الأهداف والمشاريع سيبذل جهداً لتحويل الموقف المغربى إلى دليل على تعثر الإقليمية العربية وعلى قرب زوالها وبطلان مسوغاتها.