x

صلاح عيسي ماذا وراء عتاب الرئيس للإعلاميين؟ صلاح عيسي الجمعة 15-04-2016 21:43


كعادته، فى معظم اللقاءات التى يتحدث فيها إلى أطياف شعبية وسياسية، كرر الرئيس السيسى فى لقاء الأربعاء الماضى عتابه للإعلاميين المصريين، لأن الرغبة فى السبق الصحفى والإعلامى تدفع بعضهم لنقل الأخبار والتعليقات عن مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت من دون أن يتثبتوا بأنفسهم من صحة - أو دقة - هذه الأخبار، أو أن يتجهوا إلى أن هناك ميليشيات إلكترونية منظمة تتخذ من هذه المواقع منصات لإطلاق الشائعات، ونشر الأخبار الكاذبة، وتنظيم حملات الكراهية والتحريض على إشاعة الفوضى وممارسة العنف، وتعويق مسيرة الوطن نحو بناء الدولة الديمقراطية العصرية.. وبهذا النقل الذى لا يشير إلى المصدر الذى يُنقل عنه، يضفى هؤلاء الإعلاميون على هذه الشائعات مصداقية تفتقدها، ويتحملون - نيابة عنها - المسؤولية المهنية عن اصطناعها، ويسيئون بذلك - بقصد أو بدون قصد - إلى المصالح الوطنية.

والخيط الرفيع - أو الحبل الغليظ - بين الإعلام المهنى ومواقع التواصل الاجتماعى، أو ما يسمى «إعلام المواطن»، أن الأول يديره ويمارسه مهنيون، أُعدوا لهذا الغرض عبر الدراسة والممارسة، تحكمهم أسس علمية درسوها، ويلتزمون بتقاليد مهنية صارمة، تتضمنها المدونات الأخلاقية لممارسة المهنة، ويخضعون لقواعد قانونية تنظم إنشاء المؤسسات التى يعملون فيها، وتحدد مسؤولياتهم عن كل ما يقولونه أو يبثونه، وهم يحاسبون أدبياً أمام القارئ والمشاهد، وتأديبياً أمام نقاباتهم، وجنائياً طبقاً للقوانين التى تنظم ممارسة الحق فى حرية الصحافة والإعلام، فى حين أن إعلام المواطن «أو مواقع التواصل الاجتماعى» أقرب ما يكون إلى الدردشة الشخصية أو أحاديث المصاطب والمقاهى ووسائل المواصلات العامة، التى لا يلتزم صاحبها بأى قواعد أو تقاليد أو قوانين، ولا تخضع ممارسته لحريته فى الإعلام لأى شكل من أشكال التنظيم الاجتماعى، الذى يصون الحقوق العامة والشخصية المشمولة بالحماية القانونية، وهو ليس مسؤولاً عما يقول، إذ هو يستطيع أن يخفى اسمه، أو أن ينتحل اسماً مستعاراً، أو ينسب ما يكتبه إلى شخص آخر، لكى يتحمل المسؤولية القانونية عنه.

وعلى عكس الكلام الذى يبثه أو ينشره الإعلام المهنى المسؤول، فإن الكلام على مواقع التواصل الاجتماعى معفى من الرسوم الجمركية، لأن الذين يتبادلونه يستطيعون - بأساليب شتى - التنصل من مسؤوليتهم عنه، لذلك أصبحت هذه المواقع ساحة لممارسة تشكيلة عجيبة من الآراء والأفكار والشائعات والأخبار، والنكت والنوادر، والإعلانات والفضائح، تجمع بين الغث والسمين، وبين التافه والعميق، وبين الجد والهزل، وبين كتابات باعة البطاطا والروبابكيا وتحليلات أساتذة الجامعات وكبار الساسة والمفكرين، وبين حملات ميليشيات الإخوان وعتاة الإرهابيين، وألاعيب النصابين وقراء الطالع، وبين دعاة التخريب والفوضى ودعاة الدفاع عن المصالح العامة.. ويمارس عبرها بعض البشر فضائحهم ورذائلهم، ويعبرون عن عاهاتهم وعقدهم النفسية، وتشبع لدى آخرين آفة سلوكية تشيع فى المجتمعات الزراعية، هى الشغف بالتلصص على عورات الآخرين وتتبع نقائصهم وإلصاق ما يرتكبونه سراً من جرائم بخصومهم.

ومع أن الإعلاميين المصريين، الذين لا ينكر أحد الدور الذى لعبوه فى أثناء ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ظلوا لفترة يتعاملون بحذر مع ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة ما يصدر عن الميليشيات الإلكترونية المنظمة، إلا أن قسماً منهم فقد هذا الحذر، عندما طورت هذه الميليشيات أساليبها، وأصبحت تختفى وراء مواقع لا تنسب نفسها صراحة إلى الجماعات الإرهابية، وتتظاهر بالدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة، وتدعى أنها تدافع عن أهداف ورموز ثورة يناير، وفى حمى المنافسة على اجتذاب جمهور هذه المواقع، وعلى السبق الصحفى والإعلامى، لم يقدّر الإعلام المهنى لقدمه قبل الخطو موقعها، ووقع فى الفخ الذى نصبته له ميليشيات التخريب الإلكترونية، وانقطع الخيط الرفيع، أو الحبل الغليظ، بين الإعلام المهنى المسؤول وإعلام ثرثرات المقاهى والمصاطب المعفى من الرسوم الجمركية ومن المسؤولية المهنية أو الاجتماعية عما ينشر أو يبث عبره.

ذلك هو جوهر الظاهرة التى دفعت الرئيس إلى تكرار عتابه للصحفيين والإعلاميين لأنهم غفلوا عن الدائرة المغلقة التى قادتهم إليها الميليشيات الإعلامية التى احتلت شبكة التواصل الاجتماعى فأصبحوا ينقلون عنها ويضفون مصداقية على ما تبثه من أكاذيب، ويلعبون بذلك فى ملعبها، الذى ستكون رقابهم أول ما سوف يعلق فى مشانقها، إذا ما أتيح لهؤلاء أن يعودوا مرة أخرى إلى السلطة!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية