وصلتنى أكثر من رسالة غاضبة لأن عنوان مقالى عدد الخميس الماضى كان عن وفاة مصطفى كمال طلبة وزها حديد، ولكن المقال ذاته كان عن زها حديد فقط، والقراء على حق، ومن المؤسف أن الصحافة المصرية لم تهتم بغياب عالم البيئة المصرى الكبير كما اهتمت الصحافة العربية والدولية، حتى إن مجلة «إيكونوميست» قالت في نعيه إن «مليون إصابة بسرطان الجلد أمكن تجنبها سنوياً بسبب مصطفى كمال طلبة».
تخرج مصطفى طلبة (8 ديسمبر 1922- 28 مارس 2016) في كلية العلوم بجامعة القاهرة تخصص نبات عام 1943، وكان عميد الكلية كبير علماء مصر في القرن العشرين على مصطفى مشرفة (1898- 1950)، وحصل «طلبة» على درجة الدكتوراه في «إمبيريال كولدج» في لندن عام 1948، وموضوعها «الكائنات الدقيقة وأمراض النبات»، وعاد إلى القاهرة، حيث عمل أستاذاً في الجامعة، وانخرط في العمل السياسى إلى جانب العمل العلمى، وكان وزيراً للشباب عام 1971.
ومن المعروف أن مؤتمر استوكهولم للبيئة عام 1972 كان نقطة التحول الكبرى في تاريخ محاولة إنقاذ البيئة على الأرض، عندما أسفر عن إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومقره العاصمة الكينية نيروبى. وفى هذا المؤتمر كان «طلبة» رئيس الوفد المصرى، ثم أصبح مدير البرنامج عام 1975 حتى 1992، أي لمدة 17 عاماً، وهى الفترة التي شهدت توقيع أهم الاتفاقيات الدولية لحماية البيئة مثل اتفاقية فيينا عام 1985، واتفاقية مونتريال عام 1987 الخاصة بطبقة الأوزون.
وقد نشرت «الحياة» العربية التي تصدر في لندن مقالاً في عدد الخميس الماضى للأستاذ نجيب صعب، أمين عام المنتدى العربى للبيئة والتنمية، تحت عنوان «مصطفى طلبة ودبلوماسية البيئة»، قال فيه إن «طلبة» حين حارب لمنع مواد «الكلوروفلور كربون» المسببة لترقق الأوزون ووصول كميات ضارة من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض، اعتبر معظم الناس أنه يخوض معركة فاشلة، فهذه المواد الكيميائية مستخدمة في صناعات بآلاف ملايين الدولارات من الثلاجات إلى المكيفات، لكن العالم والدبلوماسى نجح في المهمة، وهو الذي صنع بروتوكول مونتريال.
وقال الأستاذ صعب إن هذا الرجل العظيم هو مؤسس مفهوم الدبلوماسية البيئية العالمية، ومهندس المعاهدات البيئية الدولية الكبرى، وأول من وضع الإدارة البيئية في إطار القانون الدولى، وإنه كان معنا منذ اليوم الأول لانطلاق المنتدى العربى للبيئة والتنمية (أفد)، وترأس مجلس الأمناء التنفيذى للمنتدى، وله المساهمة الكبرى في تحديد توجهاته. كان المعلم والمرشد، وحررنا معاً تقارير المنتدى الأولى عن وضع البيئة العربية، وظل حتى نهاية حياته يقدم المشورة بحماسه في كل برامج «أفد». وقال في ختام مقاله: تعلمنا من الدكتور طلبة الكثير، ولعل أهم ما تعلمناه منه أن المفاوضات البيئية تقوم على التسويات، كغيرها من المفاوضات، ومن يربح هو من ينجح في تقريب التسوية إلى وجهة نظره، وسلاح المفاوض البيئى الجدى العلم والقانون في إطار احترافى.