x

طارق حسن تريد أن تعرف قاتل ريجينى تعالَ إلى هنا طارق حسن الأربعاء 13-04-2016 21:31


إيطاليا كما روسيا، بالنسبة لمصر. نقطة ارتكاز. تضاعف الارتكان إليها، خاصة بعد ٣٠ يونيو.

فى واقعة غير مسبوقة، يوم ١٢ فبراير ٢٠١٤، ربما لم تحدث حتى أيام الحرب الباردة، ذهبت روسيا بوتين إلى الإشارة علنا بتأييدها انتخاب السيسى رئيسا لمصر، قبل أن يعلن السيسى نفسه رسميًّا ترشحه، وقبل أن تنعقد انتخابات بالطبع، وقتما كان السيسى وزيرا للدفاع، ووقتما كان الأخير فى زيارة رسمية لموسكو، بصحبة وزير الخارجية آنذاك، نبيل فهمى.

أما إيطاليا، فكانت أول باب أوروبى ينفتح يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤، فى وجه السيسى، الرئيس الذى بدا نظامه أول أيامه محاطا بأسوار الحصار الدبلوماسى، والسياسى الأوروبى والغربى عامة، بعد عزل سلفه محمد مرسى. وعبر البوابة الإيطالية وانطلاقا من روما، دلف السيسى إلى عواصم أوروبية رئيسية ومهمة.

مع روسيا كما إيطاليا تعددت، إن لم تكن تشعبت، أوجه التعاون السياسى والعسكرى والاقتصادى والصناعى والسياحى، ولا تهمل، ولا تتغافل عن التعاون فى مجال الطاقة. فصارت روسيا كما إيطاليا نقطة ارتكاز أساسية. تتوكأ عليهما مصر دوليا فى مواجهة:

- أوضاع التراجع التى ألمت بها بعد يناير ٢٠١١.

- وللتعامل مع واقع، ووقائع تهديد جديدة، حادة النصل، شرسة، مدمرة عالميا وإقليميا، وفى محيط التماس المباشر.

- وفى مواجهة مراكز رفض صلبة دولية وأقليمية ذات امتدادات محلية، لما نشأ فى مصر بعد ٣٠ يونيو.

روسيا كما إيطاليا أيضا صارت هدفا يلقى استهدافا، كنقاط ارتكاز مصرية، ففى ٣١ أكتوبر ٢٠١٥، تم تفجير طائرة ركاب روسية، وقتل ٢٢٤ إنسانا. أغلبهم روس. هم كل من كانوا على متنها، ممن جرى بعثرة أشلاء أجسادهم فى الهواء، وعلى امتدادات رمال صحراء سيناء. وامتدادات مساحة العلاقات بين القاهرة وموسكو.

ويوم ٣ فبراير ٢٠١٦، وعلى جانب من نهايات الطريق الصحراوى المؤدى إلى شارع الهرم، لم يكن صعبا. إنما كان مطلوبا مشاهدة جثة مشوهة ببشاعة صاعقة، ربما تكون متعمدة أو مقصودة، لشاب تبين أنها للباحث جوليو ريجينى الذى اختفى فجأة أو تم اختطافه يوم ٢٥ يناير ٢٠١٦.

بينما يكاد يكون التفسير المصرى الشائع يقتصر، وربما يختزل، الحادثتين فى محاولة ضرب المصالح المصرية فقط، فإن التأثيرات وردود الأفعال داخل روسيا وإيطاليا ومصر معا. اشتركت فى استنفار وتحريك الرأى العام الداخلى بصورة كبيرة، فقد ازدادت معدلات فقدان الثقة والانقسام داخل مصر، وبالتوازى صار الرأى العام داخل روسيا وإيطاليا على التوالى يشكل حاجزا كبيرا تجاه مصر ونحو تعامل حكومتى البلدين معها، وقد امتد الوضع نفسه، فشاع عالميا فى مجتمعات أخرى. وفى القلب منها أوروبا.

وهو ما قد يشى بأن النتائج، على هذا النحو، ربما تمثل هدفا مرتبا للفاعل. فمع الطائرة الروسية ضاعف من انتشار التأثير فى الرأى العام الروسى أن الطائرة كانت تضم نجوما من المجتمع الروسى، وهى معلومة ربما كانت بحوزة الفاعل أولا.

بالمثل جاءت كل ملابسات حادثة ريجينى فى وقت دخول إيطاليا معتركها الانتخابى. وبما يلهب كل الالتهاب الرأى العام داخلها، ويحقق للفاعل ما أراده ورتب تقديراته، داخل إيطاليا وروسيا ومع، ونحو مصر، بحيث يسبق الاتهام السياسى الفورى أى تحقيقات جدية، فلا يبقى، ولا يظل سوى الاتهام السياسى، فتموت، أو تمحى التحقيقات الجدية. ولا تحيا إلا بمطابقة بنود الاتهام السياسى.

هكذا جرت وقائع استهداف نقاط الارتكاز المصرى مع روسيا وإيطاليا بفاعل واحد. تخبرنا عنه أهدافه الواحدة، وطبعه الواحد، ومنهجه الواحد.

فمن هو؟ وماذا يريد؟

دعنا نسبق بماذا يريد. فربما صار معروفا أكثر من أهداف رسائله.

فى ضوء ما سبق، يبدو بالإمكان رصد أو استنتاج رسالتين كبيرتين رئيسيتين هما:

١- يبدو الفاعل قائلا لروسيا وإيطاليا وغيرهما من بقية الأطراف الفاعلة فى الإقليم والعالم: مصر ملفى أنا. ومن يقترب، أو يختلط عليه النظر، فالرد قتل وضرب مصالح.

٢- يبدو الفاعل قائلا للمصريين عامة، وأولى الأمر خاصة: مصر تحت الوصاية، ولا وصاية إلا وصايتى، ولا كلمة إلا كلمتى.

ومن لا يقبل، فالوصاية جبرا، وإرغاما، لا اختيارا.

فمن يا ترى مثل هذا الفاعل إذن؟

من يكون؟ وأين هو؟

تفيد مؤشرات التحليل، وليس الدلائل المادية لأن الجهة التى تقف وراء مثل هذا الاستهداف ليست مصرية خالصة، من طبعها، ومنهجها، وإمكاناتها، وطبيعة، ونوعية استهدافاتها، ورسائلها، وإن كانت تحظى بقاعدة قوية داخل مصر، ولديها من القدرة والإمكانات والأدوات داخل المجتمع، وربما تمتد بأطرافها داخل الجهاز الإدارى. وأنها تقتات، وتعيش، وتحيا، وتجد أغطية حماية من جوانب الفوضى، والاضطراب، والفساد، والانقسام الضاربة فى مصر.

الوضع الذى يمكنها من الفعل القادر على توجيه ضربات نوعية غير متوقعة، قد لا تكون مدرجة فى الحساب، أو الاعتبار الرسمى والذهن العام معا.

وربما لديها من بين ما لديها بنك أهداف مفتوح لكل ما يمكن اعتباره ارتكازا لمصر، وفى مصر الآن، وما قد يستجد فى أوقات أو مراحل لاحقة.

من قبيل الاستسهال غير الممتنع أن يتم توجيه الأنظار مباشرة وكفى، إلى قائمة خصوم يونيو المعتادين، الذين تشملهم قائمة أطراف دولية وإقليمية ومحلية قيد الترديد الاعتيادى فى خطاب شديد البؤس والتردى فى جوانبه السياسية والإعلامية والإدارية. فلا يفعل شيئا سوى مضاعفة المصيبة، وإحلال العداء مع الأصدقاء والعالم. وزيادة أجواء الانقسام ومعدلات فقدان الثقة فى الداخل.

من قبيل الاستسهال الذى لا يمتنع أيضا استثارة، وتعبئة، واستنفار، كل دواعى الحمية الوطنية وتوزيعها جملة وقطاعى، على قائمة الخصوم المعتادة.

الجد كل الجد الذى لا غنى عنه أبدا، وبات ضرورة ملحة، هو أن تفتش مصر فى ذاتها، سائلة نفسها، السؤال تلو السؤال، منقبة، باحثة، مدققة. فى كل سؤال.

فى اتجاهين أساسيين هما:

أولا:

- من هذه الجهة التى تقبع فى مكان آمن، صامت، فى «نقطة ميتة» داخل مصر؟

- ما هى جنسيتها أو جنسياتها معا. وما هى مواضعات أو مسوغات وجودها فى مصر؟

- ما حدود امتدادها داخل البلد؟

- من يخطط داخل هذه الجهة، أو لها ومن ينفذ، وماذا تملك من أدوات؟

- كيف تحصل على المعلومات، ومن أى مصادر، وماذا تملك من معلومات وروابط؟

- أين تكمن ملاذاتها الآمنة فى مصر؟

- وأين تقع، وما هى طبيعتها، وماذا تحوى؟

- إذ كيف صار بقدرتها إخفاء ريجينى واستجوابه وتعذيبه بأدوات متعددة، منذ ٢٥ يناير، وحتى إلقاء جثته فى الشارع؟

- ماذا تستعمل من طرق وأدوات تمويه وإخفاء ووسائل نقل واتصال؟

الثابت الجلى، دون إنكار، أو تجنٍّ أنه عشية يناير، وقبلها، وبحلولها، وبعدها- أن مصر مخترقة، بل تعددت مصادر الاختراق. وشاعت، فتوزعت بين منظمات وأجهزة صغيرة، ودول وأجهزة كبيرة. بل اختلطت هذه الاختراقات أيضا بعالم الجريمة والعصابات، المنظم منها، وغير المنظم. والوقائع كما الشواهد كثيرة، ومنها ما ظهر واضحا للعيان منذ يناير، وحتى حينه، ولا داعى لتكرار ذكرها، ويكفى أنها محفوظة فى العقل، كما فى السجلات.

هنا يمكننا أن نسأل الشرطة التى سبق أن علنت أنها عثرت على متعلقات ريجينى بيد واحدة من أهل عصابة إجرامية، جرى قتلها جملة. هل اكتشفت هذه المتعلقات حقا. أم تم إلقاؤها فى طريقك كما تم اختطاف أو احتجاز ريجينى نفسه فى يوم ومناسبة مقصودة، كما تم إلقاء جثة ريجينى، فى صورة منقطعة البشاعة، فى مكان، ويوم، ومناسبة، جرى اختيارها بعناية وقصد واضح؟

بالمناسبة، كيف جرى تحديد أن الجثة هى لريجينى والإعلان عن ذلك أولا وبمجرد العثور عليه. قبل إعلان العثور على متعلقاته يوم ٢٥ مارس ٢٠١٦، (دون بنطاله الذى ما زال مخفيا). أى بعد شهرين من اختطافه أو احتجازه. وبعد ٥٠ يوما من إعلان العثور على جثته؟

بودّنا أن نسأل أيضا كل من يعنيه السؤال: هل التمثيل بجثة ريجينى جرى قبل أم بعد اغتياله. خاصة أن تقارير الطب الشرعى المصرى والإيطالى، ليست معلنه بصورة تامة للجمهور والرأى العام بعد؟

ولنا الحق. كل الحق. فى مثل هذا السؤال. فنحن فى بلد جرى فيه خطف طائرة، بوسائل «نصب وخداع». ومن شأن الإجابة الواضحة عن مثل هذا السؤال تبيان، ليس فقط الحدود الفاصلة بين الحقائق المادية وأساليب الخداع، التى تبدو ظاهريا وكأنها حقيقة، إنما أيضا الوقوف على نوع وأساليب الجهة الفاعلة.

ثانياً:

وبالتوازى، ودون أدنى تلكؤ، النظر الفورى فى:

- أى سياسات عامه صارت مطلوبة وواجبة وعاجله. بما يكفل سيادة أواصر السلم الأهلى. وتفاهم المكونات السياسية والاجتماعية المصرية على اختلافها، وتحقيق أشد درجات التماسك الوطنى والمجتمعى.

- أى سياسات أمنية صارت ضرورية ومصيرية. ولا بد منها، ولا مناص عنها، لإخراج مصر، وبصورة نهائية باتة من وضعية «المشبوه»، الذى يجرى إلصاق التهم به، وتدويرها عليه، كلما اقتضت حاجة هذا الطرف أو ذاك، أو وجد سبيلا لذلك.

هذه خطوات تسبق. إنما الضرورى أن تقفز بها مصر، كما «القفز بالزانة» فوق كل الخطوات والعقبات. فبها تزدان مصر فى العالم. ويعلو شأنها. بيضاء من غير سوء.

ودونها تستمر فى تلقى الضربات تلو الضربات، فلا تجدى «أسطوانات الغناء»، ولا «معزوفات الدعاء» على الخصوم، وقد يمر الأوان تلو الأوان، فلا يرفع لمصر أذان، مهما أذنت، فلا تصغى لها أذنا. فلا تكون إلا كمثل الذى يؤذن فى مالطة. على حد التعبير.

وقد يفوت الأوان قبل الأوان. فلا تسلم الأصابع من عض الندم. إن لم تكن تدمى ولا تنفع الذكرى من صار فى خبر كان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية