x

مجدي الجلاد «الشفرة»..! مجدي الجلاد الثلاثاء 12-04-2016 21:21


لم أعبأ كثيراً بمعركة «تيران وصنافير».. لأن التاريخ سوف ينصف صاحب القرار أو يحاسبه.. ولا تقلقنى أزمة الإيطالى «جوليو ريجينى».. لأننا يوماً ما سنعرف الحقيقة!

لا تنظروا تحت أقدامكم.. فقد علمتنى الحياة أن اللحظة الراهنة هى «سطح أملس نتزحلق عليه جميعاً».. تحت السطح ثمة عالم آخر يصعب أن نكتشفه الآن..!

شخصياً.. أشعر بتعاطف شديد تجاه من أغضبه تسليم «تيران وصنافير» للسعودية.. وفى ذات الوقت أكاد أتفهم موقف وحسابات صاحب القرار.. فما لديه.. ليس لدىَّ ولا لديك..!

شخصياً أيضاً.. أرى أن مصر دفعت وستدفع ثمناً «أكبر من اللازم» فى قضية «ريجينى».. غير أننى لا أصدق أن جهازاً أمنياً - مهما كانت سذاجته - يمكنه ارتكاب هذه الجريمة بذاك الإخراج.. لذا ثمة اعتقاد يسكننى بأنها «خطة ملعوبة» من طرف ما.. وللأسف أحرز بها هدفاً فى مرمانا.. ولكن الكارثة الحقيقية أننا أحرزنا ثلاثة أهداف تالية فى مرمانا وبأقدامنا.. لأننا لا نمتلك «مُخرجاً محترفاً» فى مطبخنا السياسى والأمنى..!

الإخراج السياسى علم وخبرة وفن.. والدولة فى مرحلة «نقاهة».. وطبيعى أن تعانى ارتباكاً ما فى الملفات والأزمات الطارئة.. والأمر ينبغى أن يكون مفهوماً ومحل تقدير..!

إذن.. فأين المشكلة؟!.. وكيف نقلل الخسائر إلى أقصى حد ممكن ريثما تستكمل الدولة بناء دوائر التفكير والتخطيط و«الإخراج»؟!

تحليل المشهد الراهن يضعنا أمام حقيقة لا يجب إنكارها: شفرة الشعب المصرى طرأت عليها تحولات غير مفهومة خلال السنوات الأخيرة.. هذه التحولات لم ينجح أحد حتى الآن فى فك طلاسمها.. والسبب أننا لا نريد أن نعترف بأن 25 يناير و30 يونيو ليستا هما المحرك الرئيسى لتلك التحولات.. سواء اعتبرناهما ثورتين أو انتفاضتين أو هبّتين.. قل ما شئت.. ولكن انظر بتمعن لما حدث.. كى تفهم.. وتقرر.. وتتصرف..!

الإنسان المصرى القديم كان يحمل «جينات» ثابتة وأخرى قابلة للتغيير: الثابت كان الأرض والعرض والهوية و«الحاكم».. والمتغير كان الرزق وإيمانه بأولويات «الحاكم» وكفاءة رجاله وتعاطيه مع «الواقع»..!

لا تلمس أرضه ولا تنتهك عرضه ولا تشككه فى «حاكمه» ولا تحلم بتغيير هويته!

افعل ما شئت فى رزقه.. هتعدى وتمشى.. يظلمه «الحاكم» ويقهره.. سوف يصبر عليه.. يتغير رجال السلطة أو يمكثون أبد الدهر.. لا يكترث لأنه يعوّل على «الحاكم وحده».. ضع مكبرات الصوت فى أذنيه لإقناعه بفكرة أو مشروع أو خطوة لا يراها صادقة ولا مجدية.. لن يسمعك.. وربما لن يراك..!

شفرة الإنسان المصرى كانت سهلة وصعبة.. مريحة ومرهقة.. آمنة وشديدة الخطورة.. ولكن لم يفهمها الكثيرون على مر التاريخ..!

لم تتغير تلك «الشفرة» العتيقة بفعل الثورتين.. وإنما بما حدث قبلهما.. وأثناءهما.. وبعدهما.. وربما كان ذلك سبب حيرة «السيسى» ومن معه فى فهم ردود الفعل تجاه قضايا كثيرة.. وربما أيضاً كان ذلك سبب «الطاقة السلبية» التى تسيطر على المجتمع.. وانعدام الثقة فى بعضنا البعض.. والأهم عدم رغبة أحد فى فهم الأطراف الأخرى..!

الطاقة السلبية.. انعدام الثقة.. عدم الرغبة فى الفهم.. وليس عدم الفهم..!

ثلاثة أضلاع لـ«مثلث الأزمة الحالية والمشاكل المتتالية»!

الثابت فى تاريخ البشر أن بناء الأمم لا يتحقق إلا بالطاقة الإيجابية: اتفاق على الأهداف.. الرؤى.. اتجاه الطريق.. والعدالة فى توزيع المكاسب.. إن لم تتوافر هذه العناصر، تحولت الطاقة الجماعية إلى «سلبية»: ضبابية فى الرؤى.. اشتباك دائم.. تباعد متصاعد فى المسافات بين الدولة والمواطن.. انصراف المجتمع عن «أجندة» أولويات «السلطة».. وانقسام الأمة بين مؤيد صوتاً لا عملاً.. ومعارض هدماً لا بناءً..!

الطاقة السلبية تفرز عدم الثقة.. وعدم الثقة يغلق الأذن والعين والعقل عن الاستماع أو فهم الآخر.. ثم يحكم المجتمع شعار خطير: خليها تخرب..!.. وكأنها ستخرب على الطرف الآخر وحده الذى تراه سبباً فى المأزق..!

شفرة الإنسان المصرى الجديد تمردت على الثابت وأجرت تعديلات على «المتغير».. فلم يعد «الحاكم» بعيداً عن النقد بل والتجريح.. وباتت الأرض عنصراً أكثر حساسية بسبب ما شاع فى العقل الجماعى من مؤامرات ودسائس متتالية ضد «الوطن».. والهوية متأرجحة بين إسلامية دنسها المتأسلمون.. وعربية تدعو للخزى.. وفرعونية سحيقة لا ننتمى لها عقلاً وعلماً.. ومصرية لا تقوى على الاستغناء عن «دعم الآخرين»..!

«المتغير» تحول إلى «ثابت».. فالرزق من عند الخالق.. نعم.. ولكن «الحاكم» جاء بدمائنا وتضحياتنا.. فلماذا لا نحاسبه على «لقمة العيش»؟!.. وكفاءة «الحكومة» لا ينبغى أن ندفع ثمنها مثلما كان يحدث فى الماضى.. وأولويات «السلطة» على رأسنا.. بس لازم نعرف: ليه.. واشمعنى.. وبكام.. ونقول رأينا كمان..!

شفرة ابنى وابنك مختلفة كثيراً عن شفرة والدك ووالدى.!

ابنك ليس مضطراً ولا عاجزاً ولا بسيطاً كى تقول له «يمين هو الصح» دون أن تناقشه وتقنعه أو يقنعك.. زمان كانوا يقولون لنا «نحن نعدو فى الطريق اليمين».. فنطلق صيحات الفخر والأمل.. ثم نكتشف أننا «شمال الشمال».. الآن لا وقت لدى أبنائنا لإضاعته فى اكتشاف الاتجاهات.. فالعالم الذى يعرفونه جيداً حدد لهم الاتجاهات الصحيحة على «جوجل إيرث» والـ«GPS»..!

ستجوب بحاراً ومحيطات وغابات لتأخذهم معك فى طريق اخترته وحدك.. لن يسمعوا كلامك.. أضعفهم جرأة سيترك لك كل الطرق، ويهاجر إلى «وطن جديد».. بينما سيتوقف الآخرون ويقولون لك «استنى.. إنت رايح فين؟!.. الطريق ده غلط»..!

«تيران وصنافير» مصريتان أو سعوديتان.. ليست هذه هى المشكلة.. «ريجينى» قتله جهاز أمنى أو عصابة أو «متآمر».. ليست هذه هى المشكلة!

القضية الحقيقية أن الدولة لا تريد أن تعترف بأن «شفرة المصرى» تغيرت.. أو أنها تعرف.. ولا تريد أن تغير «شفرتها»..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية