x

عبد الناصر سلامة قصة جزيرتين عبد الناصر سلامة الثلاثاء 12-04-2016 21:24


كنت أتصور أن الأساطير الشعبية يتم تداولها فقط فى الحالات الفردية بين أبناء الريف، إلا أن المفاجأة كانت ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعى بمجرد تواتر شائعة حول إعطاء مصر جزيرتى تيران وصنافير، بالبحر الأحمر، للمملكة العربية السعودية، بزعم أنهما أقرب لحدود المملكة عنها إلى مصر، فأصبحت حكاية عوّاد هى حديث المواقع والحسابات الشخصية، وبدا بالفعل أن هذه التقنية فى التواصل هى بمثابة البرلمانات الحقيقية فى المجتمعات المترددة ديمقراطياً.

استمرت هذه الحالة نحو ٤٨ ساعة، وسط غموض فى الموقف، أو عدم وضوح الاتفاقية، قبل أن يخرج علينا بيان الحكومة ليؤكد بالفعل ذلك المعنى، وهو التنازل عن الجزيرتين، لتدخل المناقشات المجتمعية فى منحى آخر، ما بين مؤيد للموقف الرسمى ومعارض له، إلا أن عوّاد ظل سيد الموقف، البعض يرى أنه على حق، والبعض الآخر ليس لديه أدنى استعداد لقبول فكرة التنازل أو البيع، مهما كان حجم المغريات أمام عواد، ابن الأصل، وصاحب التاريخ الذى لا يجب أن يُشترَى بالمال.

هناك من استعان بترسيم الحدود من قِبَل الدولة العثمانية، فى عام ١٩٠٦، والتى من خلالها كانت الجزر مصرية دون أدنى شك، ثم خطاب المملكة العربية السعودية إلى بريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة عام ١٩٥٠، الذى أكد ذلك أيضاً، ثم كتب التاريخ والدراسات بالمناهج المصرية التى تلقتها عشرة أجيال موثقة بالخرائط، على امتداد قرن كامل وحتى الآن، والتى تعتبر هاتين الجزيرتين من أهم الجزر المصرية بالبحر الأحمر، مع الأخذ فى الاعتبار أن العلاقات الدولية لا تعترف بالتنازل، ثم العودة عن التنازل، إذا اعتبرنا من الأساس أنهما كانتا خاضعتين للسيادة السعودية يوماً ما، وهو ما لم يتم إثباته.

على الجانب الآخر، صالت وجالت البرامج الليلية بفضائيات الدولة وغيرها، بتبنى وجهة النظر الرسمية التى رأت أن الرسومات والقياسات البحرية أوقعت تيران وصنافير ضمن الأملاك السعودية، أو أنهما كانتا تحت الحماية أو الإدارة المصرية فقط، لأسباب تتعلق بوجود دولة إسرائيل فى المنطقة، أو الضعف العسكرى السعودى آنذاك.

فى الوقت نفسه، كان بعض أساتذة القانون يدلون بدلوهم حول أهمية طرح الاتفاقية على البرلمان، طبقاً للدستور، والأهم من ذلك طرحها للاستفتاء العام طبقاً للدستور أيضاً، بينما كان الاستراتيجيون من الجنرالات السابقين، أو معظمهم، يؤازرون موقف السلطة الرسمية، أياً كان، ودون قبول أى مناقشات فى هذا الشأن، كما جرت العادة فى كل المواقف.

المهم أن هذه القضية أكدت حقيقتين مهمتين، الأولى: أن الشعب بكل طوائفه، باستثناء أصحاب المصالح بالطبع، لن يقبل بأى حال التفريط فى شبر واحد من التراب المصرى، تحت أى مزاعم، وهو ما أثق أن القيادة السياسية تعيه تماماً، وبالتالى فلن يكون مقبولاً بأى حال الإقدام على أى ما من شأنه ترحيل الأزمات مع دول الجوار للأجيال المقبلة، وسوف أتذكر هنا سبب إعلان العراق الحرب على إيران عام ١٩٨٠، والتى جاءت نقضاً لاتفاقية ترسيم الحدود بالجزائر عام ١٩٧٠، حيث اعتبر العراق أن التوقيع عليها جاء تحت ضغط، وخلال فترة ضعف، وبالتالى لم تستطع الصمود أكثر من عشر سنوات.

الثانية: أن ذلك الاستقطاب الحاصل فى المجتمع قد ألقى بظلاله على ردود الأفعال تجاه هذا الحدث بطريقة متوقعة بالتأكيد، وصل الأمر معها إلى التخوين، واتهامات متبادلة بالعمالة، والبيع، والشراء، والانبطاح، والانكسار، إلى غير ذلك من كثير، وهو ما يجعلنا نؤكد دوماً أن هناك شيئاً ما خطأً، يجب تداركه بأقصى سرعة ممكنة، ذلك لأن لمّ شمل المجتمع وثقته فى قيادته، هما أولوية يجب وضعها فى الاعتبار طوال الوقت، إن أردنا الاستقرار والسلام الاجتماعى، وهو ما كان يتوجب معه الحصول على دعم شعبى كبير قبل الإقدام على اتفاقيات بهذا الحجم.

أما عملية إدارة الأزمة، أو الحدث، فكانت كغيرها من الأزمات أو الأحداث، عليها الكثير من الملاحظات.. لذلك حديث آخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية