x

عبد الناصر سلامة البداية «2» عبد الناصر سلامة الأحد 10-04-2016 21:16


ليس مبالغةً، إذا قلنا إن التردد على الأطباء والصيدليات هو المنافس الرئيسى للدروس الخصوصية فى التهام ميزانية الأسرة المصرية، ربما أشعة واحدة، مع التحاليل المطلوبة، مع كشف الطبيب، تلتهم ميزانية أسرة بأكملها، لم يصل الأمر بعد إلى حجرة العمليات، أو الحجز عدة ليالٍ بالمستشفيات، من هنا تأتى أهمية وجود منظومة تأمين صحى شامل على جميع أفراد الأسرة، وبصفة خاصة أصحاب المعاشات الذين يعانون إلى أبعد حد فى الحصول على علاج شهرى يناسب احتياجاتهم الحقيقية.

لم نتحدث هنا عن الأخطاء الطبية، لم نتحدث عن فاعلية العلاج من عدمها، أو المادة الفعالة به، لم نتحدث عن جشع بعض الأطباء والمستشفيات، نحن نتحدث حتى الآن عن الأوضاع الطبيعية بلا استنطاع من هنا أو هناك، وهو ما يُحتم أيضاً أن تكون الرقابة فى هذا المجال هى الأكثر حزماً وحسماً على الإطلاق، مادام الضمير قد توارى إلى هذا الحد، بدءاً من الطبيب، مروراً بكل العناصر المساعدة، وانتهاء بالمستشفى، مع الأخذ فى الاعتبار أن لكل قاعدة استثناءات، ففى كل المهن سوف نجد ذلك.

إلا أن قضيتنا الأساسية هنا تتعلق بالوقاية، التى أكدنا أمس أنها تبدأ وتنتهى بالغذاء والدواء والهواء، بمعنى آخر: مقاومة التلوث فيها جميعاً، وهو الأمر الذى كان يجب أن توليه الدولة أقصى اهتمامها، فى الموازنة الجديدة 2017/2016، ذلك لأن أمراضنا فى معظمها تتعلق بذلك الثلاثى، الذى يلقى بظلاله طوال الوقت على القلب، كما الباطنة، كما العيون، كما الجهاز التنفسى، كما الجهاز الهضمى، فى هذه الحالة سوف نوفر على الأسرة الكثير من النفقات، وعلى المريض الكثير من المعاناة، وعلى المتعاملين مع مستشفيات الخارج الكثير من العملة الصعبة، أو التى يمكن أن نطلق عليها الآن «العملة النادرة» وذلك بعد ارتفاع قيمتها لأرقام غير مسبوقة أمام العملة المحلية.

فى الآونة الأخيرة أيها السادة، تابعنا الكثير من وقائع ذبح الحمير، واللحوم الفاسدة، والدواجن المهرمنة، الهورمونات وصلت حتى الخضروات والفاكهة، لم يعد لأى منها طعمها الحقيقى الذى اعتدناه فى سالف الزمان، أو الذى نراه مع المستورد منها، مصانع «بير السلم» وصلت حتى حلويات الأطفال وأدوية الكبار، المياه المعلبة فى معظمها تفتقد شروط السلامة الصحية، فما بالنا بتلك القادمة من الصنابير، أو من محطات مياه التنقية بصفة عامة.

الأمر فى مجمله يحتاج إلى حملة عامة، تشترك فيها كل الجهات المسؤولة بالدولة بلا استثناء، لا يجب أن يتوقف الأمر أبداً على مفتش تموين لا يستطيع التفريق بين لحم البتلو ولحم الكلاب، أو مفتش مباحث لا يدرك بالتأكيد الفارق بين الحمامة واليمامة، كلها مجمدات بالثلاجات غير واضحة المعالم، الأمر أصبح يحتاج إلى دورات تدريب عالية الدقة والتقنية، أصبح يحتاج إلى أجهزة ومعامل متنقلة إلى موقع الحدث، قبل طمس معالم الجريمة، الأمر أصبح فى حاجة إلى منظومة جديدة تأخذ فى الاعتبار المناهج الدراسية لخريجى الكليات المتعلقة بهذا الشأن أو ذاك.

فى كل الدول المتقدمة وغير المتقدمة، نحن أمام جرائم لا رحمة فيها، ليست أبداً فى عداد الجُنح أو الغرامات كما هو الحال لدينا، القصور فى القوانين يجب تلافيه على وجه السرعة، كما القضايا المنظورة أمام المحاكم فى هذا الشأن يجب إنجازها بأقصى العقوبات، من هنا سوف يتم وضع مزيد من ضوابط صناعة المياه، سواء بمحطات التنقية، أو بمصانع التعبئة، سوف يتم وضع ضوابط صارمة لمصانع إنتاج الغذاء، للمنتجات الزراعية بشكل عام، سوف يتم وضع ضوابط أكثر حزماً للمصانع الملوثة للهواء، هى إذن منظومة متكاملة، هى مع منظومة التعليم تشكل القاعدة الأساسية والصحيحة لبناء الفرد والمجتمع على السواء، لا يمكن بأى حال القفز عليها بأى خطط تنموية، أو غير تنموية، لن تنجح أى من هذه الخطط أبداً دون علاج هذه المنظومة.

لنرفع إذن شعار الصحة والتعليم، فى إطار خطة خمسية تبدأ من الآن، بذلك فقط نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح، ربما يكون ذلك هو الإنجاز الحقيقى الذى سوف يشعر به المواطن فى ظل حالة الاهتراء العام هذه، ليس ذلك فقط، بل هو الإنجاز الحقيقى الذى يمكن أن يمثل قاعدة انطلاق حقيقية للمستقبل، «مواطن سليم صحياً ومتعلم فعلياً»، ماذا نريد بعد ذلك، كل شىء سوف يصبح ممكناً، أما إذا استمرت هذه الأوضاع كما هى، مهما كان حجم التشييد الخرسانى، فسوف نظل أمام مجتمع مريض وجاهل، لن ينتج فى النهاية سوى مزيد من الفوضى والتخلف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية