x

عبدالستار سليم: الجنوب هو منبع الإبداع وأناشد وزارة الثقافة إنقاذ شعر «الواو» من الاندثار

الخميس 28-10-2010 00:27 | كتب: اخبار |
تصوير : حافظ دياب


كان الجنوب ولا يزال رافداً حيوياً للأدب فى مصر عبر أسماء عديدة برزت وصار لها مكانتها الأدبية المرموقة بالرغم من الإمكانيات المحدودة المتاحة لهم أسوة بأقرانهم من المبدعين فى القاهرة، ورغم هذا فإن بعضهم يصر على البقاء فى موطنه لأنه يرى أن الأدب الحقيقى يستطيع أن يصل إلى الناس مهما كان موقعه، من هؤلاء الشاعر عبدالستار سليم صاحب العديد من الدواوين الشعرية منها: الحياة فى توابيت الذاكرة، نقش على الميه، مزامير العصر الخلفى، تقاسيم على الربابة،المدينة تطرد الخنساء،الفوازير العلمية، الذوبان على الورق، وفن الواو، ذلك الفن التراثى العريق الذى كاد يندثر لولا أنه يحاول إنقاذه وتطويره.


حصل سليم على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى فى الزجل عام 1981 م، وتم تكريمه فى مؤتمر أدباء الأقاليم عام 1984م، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عام 2005.


وإلى نص الحوار:


■ ما «فن الواو»؟


- فن الواو فن شعرى يعتمد على اللهجة الشعبية فى تكوينه- بالإضافة لما يتحلى به من موسيقى ويشبه كثيرا الموال الرباعى لكنه يختلف عنه فى الوزن والقافية، وتتكون القصيدة الواوية من عدة مقطوعات قصيرة وكل مقطوعة عبارة عن بيتين من الشعر يتكونان من أربع شطرات على وزن بحر شعرى معين، ويتميز هذا الفن بأن قافية الشطرة الأولى تشابه قافية الشطرة الثالثة وقافية الثانية تشابه الرابعة وغالباً ما يلجأ الشاعر إلى التورية والجناس، ولابد أن تنطبق القافيتان بنفس الكيفية ولكنهما تختلفان فى المعنى، وهذا الفن يعتمد على اللهجة الشعبية التى ينطق بها عامه الناس، وعندما نضيف اليها موسيقى الشعر تصبح هذه القصائد مفهومة لدى الأميين فالحكمة بداخل هذا الفن مغلفة فى صورة شعرية، وهو ما يحسب له إذ يربط المستمع بالشاعر، ويجعله يتابع كل كلمة يقولها. ونشأة فن الواو كانت فى جنوب مصر والذين ابتدعوه بالأساس أميون لا يقرأون أو يكتبون، وكان له فرسانه لعل أشهرهم «ابن عروس» القناوى والذى اشتهر بإلقائه الشعر فترة حكم المماليك حيث كان يبدأ الإلقاء بقوله «قال الشاعر» والشاعرهنا شخص مجهول حتى يستطيع أن يقول ما يريد قوله بعيدا عن بطش السلطة.


■ وهل تعتبر أسلوبك الشعرى امتدادا لابن عروس؟


- نعم، أعتبر نفسى كذلك، لأننى تأثرت بابن عروس كثيراً من حيث الشكل الخارجى للنص الشعرى، وأيضا من حيث الحكمة العميقة التى تصاغ بشكل سلس وبسيط يجعل المستمع يؤمن بها، فابن عروس هو الذى ابتدعها لأنه كان شاعرا جوالا يتنقل بين البلدان المختلفة، واستفدت منه أيضا فى كيفية مخاطبة الناس على اختلاف جموعهم وثقافاتهم.


■ وهل نشأتك فى قنا هى التى دفعتك للاهتمام بفن الواو خاصةً أنها اشتهرت دون غيرها بهذا الفن؟


- باعتبارى أحد أبناء الجنوب فإننى أعتقد أن المبدع لهذا الفن وصاحبه الحقيقى «ابن عروس» هو الذى جعلنى أهتم بفن الواو، وأسعى إلى تطويره فربما يأتى آخرون من بعدى يحافظون ويضيفون إلى هذا الفن العظيم.


■ وما مساحة الحرية المسموح بها للشعر والشعراء فى مصر الآن؟


- وظيفة الفن أن يبتعد عن المباشرة الفجة لذلك استخدمت قناع الشعر حتى يتسنى لى أن أنتقد الأوضاع التى لا تعجبنى مثلما كان يحدث فى عهد ابن عروس، ومصر بها مساحة حرية كبيرة الآن ويشمل هذا الشعراء، ولا يعنى هذا أن يستخدم الشاعر هذا السقف من الحرية فى غير موضعه كأن يكثر من السباب أو البذاءات فى شعره لأن الفن يساعد على تحسين أوضاع المجتمع وليس العكس.


■ وما أهم القضايا التى جسدتها فى قصائدك؟


- قضايا عديدة منها قضية الغربة والاغتراب خارج الوطن بالنسبة للعاملين المصريين بالخارج، والظلم الإجحاف الذى يتعرضون له، وأيضا قضية الوطن والمواطنة ومدى تأثير الأشخاص المغرضين على الذات المصرية فى الشارع المصرى وقضية القومية العربية وما تسببه الحكومات فى الفرقة بين الشعوب.


■ وماذا عن القضايا التى شغلتك ولم تضمنها فى شعرك؟


- الانتخابات لأنها تجربة شخصية مررت بها حيث رشحت نفسى فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005، عن دائرة نجح حمادى ولم أوفق بسبب التلاعب فى صناديق الانتخابات وتعرضت وقتها للظلم وهو السبب الذى جعل هذه القضية تؤرقنى كثيراً. فلا تزال عيوب الانتخابات موجودة بالصعيد والمتمثلة فى القبلية والاستحواذ والعصبية وسلطة المال والسلاح، وبدأت الآن فى كتابة قصيدة عن الانتخابات بكل أشكالها.


■ الشاعر عبدالستار سليم نال العديد من الجوائز. فهل ترى أن هناك تحيزاً لبعض الشعراء فى تكريمهم دون غيرهم من قبل الدولة؟


- رغم أننى حصلت على جوائز متعددة إلا أننى لم أرشح من قبل أى جهه لنيل جائزة التفوق أو التقديرية وهذه الجوائز لايتقدم الشاعر إليها بنفسه بل فى الغالب ترشحه لها الهيئات الثقافية، وهو ما يعتمد على المحسوبية والواسطة والشللية . فجوائز الدولة تذهب إلى المبدعين المعروفين لدى الذين يصوتون لأصحاب هذه الجوائز، وهناك جهات لا ترشح أبناء الصعيد لأنهم غير معروفين وصوتهم ليس عاليا، فمن غير المنطقى أن تختزل مصر فى 10 أسماء فقط من الشعراء.


■ وماذا عن فترة الغربة؟ وهل وجدت هناك فرقا من حيث الاهتمام بالشعر والشعراء والثقافة عامة عما يوجد فى مصر؟


- عملى فى العديد من الدول العربية أضاف لى أبعاداً اجتماعية وثقافية ووطنية كثيرة منها الالتحام بالشخصية العربية مباشرة والوقوف على ثقافاتها ومدى ارتباطها ببعضها البعض وبالعالم الخارجى أيضا،كما شعرت بالفرق فى الاهتمام بالمبدعين فى العالم العربى حتى وإن كانوا بعيدين عن العاصمه مقارنةً بما يحدث فى مصر، وربما يعود هذا لقلة عدد المبدعين لديهم، كما أن الاهتمام بالمبدعين فى مصر لا يتم بشكل عادل رغم وجود مديريات للثقافة وجامعات وكليات آداب وأساتذة متخصصين فى كل المحافظات إلا أنه وحتى الآن لم أجد باحثاً واحداً فى جامعة جنوب الوادى يهتم بشعرى فى حين أن هذا هو دور الجامعة باعتبارها منبرا للتنوير فى أماكنها.


■ وبرأيك كيف يمكن الخروج من مأزق المركزية لدينا؟


- عن طريق سن قانون من وزير الثقافة والمسؤولين للاهتمام الحقيقى بالمبدعين خارج القاهرة، فمثلاً عند استضافة مبدع من الأقاليم يحاسب مادياً على التذكرة التى يحملها ولا يعطى له ثمن تذكرة العودة. لذلك لا أشارك فى انتخابات اتحاد الكتاب لاننى أسافر ذهابا وإياباً وإقامة فى القاهرة على نفقتى الخاصة،ونتيجة لهذا نجد أن أصوات مبدعى الأقاليم غير مؤثرة فى الانتخابات فى حين أن المبدع داخل القاهرة يتمتع بكل حقوقه فوجود قانون سوف يغير كل ذلك ويخرجنا من تلك المركزية.


■ قصور الثقافة المنتشرة فى محافظات مصر بميزانياتها هل لها بالفعل تأثير ملموس على الحركة الثقافية فى جنوب مصر؟


- بالطبع لا، حيث لا يتم توزيع هذه الميزانيات توزيعاً عادلاً، وأقول هذا بناء على تجربتى الشخصية، وكمثال على ذلك نادى الأدب بنجع حمادى الذى كنت رئيساً له فى عام 1990 ولسنوات عديدة لم تتغير ميزانيته حتى الآن، فى حين كان يجب أن تتضاعف خمس مرات فمن غير اللائق أن المبدع الذى يستضيفه النادى مثلاً يتم منحه ثلاثين جنيها، فالدولة لا تدعم الثقافة خارج القاهرة بشكل جيد. وقصر ثقافة قنا كمثال آخر يحتاج إلى صيانة وعمال ووسيلة مواصلات لذلك أطالب المسؤولين بتكثيف الزيارات على قصور الثقافة فى المحافظات بشكل دورى والوقوف بشكل دقيق على المشاكل ومحاولة إيجاد حلول لها، والبعد عن الاكتفاء بالتقارير التى ترفع من جهات العمل واكتشاف الأسماء التى لم تكتشف بعد. فهل يعقل أنه حتى الآن لم يرشح مبدع واحد من الصعيد لتمثيل مصر لحضور المؤتمرات الدولية لدرجة أن اتحاد الكتاب لم يدع مبدعاً من الصعيد بحجة التكلفة المادية.


■ وما تقييمك للأداء الثقافى فى محافظة قنا؟


- الأداء الثقافى فى قنا متميز ومزدهر، ورغم الإمكانيات الضعيفة إلا أن قصور الثقافة تؤدى دورها حيث خرج من قنا ونجح حمادى أدباء وأديبات حصلوا على جوائز مصرية وعربية والآن أسماؤهم مطروحة على الساحة الثقافية بقوة ولهم إسهاماتهم البارزة، كما أننى أعتبر قنا هى المورد الرئيسى للشعراء فى مصر.


■ وماذا عن باقى محافظات الصعيد؟


- محافظات الصعيد مزدهرة ثقافياً ولكنها تحتاج إلى عناية وأهتمام أكثر من المسؤولين فى القاهرة فنحن فى الصعيد ليس لدينا من يهتم بالثقافة سواء من المسؤولين أو أعضاء تحت قبة البرلمان لإثارة قضايانا الثقافية ودعمها.


■ إذن، هى أزمة مثقف؟


- نعم هى أزمة مثقف فالحقيقة أنه توجد أزمة فى الإبداع، فمثلاً النصوص الشعرية التى تكتب لا تصل إلى القارئ وإن وصلته ينفر من قراءتها، فالجنوح إلى الرمز الموغل فى التعميم ووصف أماكن وأزمنة بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا غالباً ما يعطى إحساساً بتعالى المبدع على القارئ، والسبب الثانى من وجهة نظرى ارتفاع ثمن الكتاب وعدم مساهمة الدولة فى دعمه وسوء التوزيع وخاصة بمنطقة الصعيد.


■ وما مطالب مبدعى الأقاليم من وزارة الثقافة؟


- أعلم أن الوزير الفنان فاروق حسنى متحمس جداً للمشروعات الثقافية ذات البعد الوطنى، ولذلك فإننى أناشده دعمنا ومساعدتنا حيث تقدمت بطلب منحة تفرغ لجمع فن الواو القديم ولم أحصل عليها علماً بأننى تقدمت بطلبين لمكتب الوزير وأحد هذين الطلبين مزكى من الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، وبالرغم من ذلك لم يلتفت لى أحد، ولذلك أناشد الوزير مساعدتى للحصول على هذه المنحة للصرف منها على أولئك الحفظة الذين أجمع الفن من خلالهم وهو ما يتكلف أموالا كثيرة لا أستطيع أن أتحملها بمفردى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية