x

جمال الجمل تيرانُ لا.. (תעלת הימים لا) جمال الجمل الأحد 10-04-2016 23:11



(1)
أعتذر عن جفاف أسلوبي في هذا المقال، والحمد لله أنني مازلت قادراً على كظم الغيظ، فاستخدمت اللغة التقريرية الجافة، بدلاً من عبقرية الشتائم الثقيلة التي اخترعها البشر للتعبير عن مشاعرهم ومواقفهم بصدق وعفوية في مثل هذه المناسبات الملعونة.

(2)
كنت قد كتبت الشهر الماضي ملاحظة نشرتها بعض المواقع، قلت فيها باقتضاب إن جانباً كبيراً من العلاقات المصرية السعودية سيتضح ويتحدد في شهر أبريل، كانت لدي معلومات عن ترتيبات غير مسبوقة تمهد لزيارة تاريخية، اختلفت بشأنها التقديرات، وتجاوزت التكهنات ملفات سوريا واليمن، والمصالحة مع قطر أو تركيا، والحصول على تعهد مصري بدعم خلافة محمد بن سلمان في مقابل قوة آل نايف، كان الغموض والترقب ينبئ بأمور مختلفة لهذه الزيارة، وأشار أحد الأصدقاء إلى ملف الجزر وترسيم الحدود البحرية، واتجه تفكيري إلى الجزر الجنوبية، وقلت مقللا من أهمية هذا الموضوع إن مصر لن تدخل في خلاف مع المملكة بشأن جزيرة في هذه المنطقة، لأن تواجد مصر في البحر الأحمر قوي ويحتمل درجة من المرونة والتفاهم مع الجانب السعودي، خاصة وأن أي ترسيم قانوني للحدود في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر سيكون لصالح السعودية إذا طبقنا معايير القانون الدولي، وانتهت المناقشات دون أن تطفئ علامات الاستفهام، ونيران اللعنة التي أشعلتها زيارة السيدة العجوز.

(3)
كانت المفاجأة أن حديث الجزر لا يخص الجنوب ولا الوسط، بل يخص تيران الرابضة في حلق خليج العقبة، وتعجبت جداً من هذه الخطوة، لأن هناك جزراً أخرى ملكيتها محسومة للمملكة ومع ذلك تسيطر عليها مصر بلا أي حساسيات ولا مباحثات، فما الذي يهم آل سعود في تيران بالذات؟

(4)
تريثت أكثر في التعامل مع المعلومات المتوفرة، لأنني لا أثق كثيراً في المواقع المجهولة التي بدأت «حملة تسخين» مبالغ فيها، وزاد من توجسي دخول مواقع الإخوان بقوة حاملة راية الدفاع عن أرض الوطن، وبعض هذه المواقع لا يزال يتضمن نصوصاً تعتبر أن «الوطن وثن» و«أرضه حفنة من تراب عفن»، لأن الأساس هو العقيدة وليس الوطن، وبالتالي فإن الحالم بدولة الخلافة لا يهمه أن تكون تيران في أيد مصرية أو سعودية، طالما هي أرض إسلامية يُرفع فيها الأذان، وتقام فيها الصلاة، حتى إن المرشد الأسبق صرح علناً بأنه يقبل أن يحكم مصر ماليزي مسلم على أن يحكمها مصري قبطي!، لكن لما صدرت تصريحات الحكومة بنتائج لجنة ترسيم الحدود، رأيت أن السلطة القائمة فقدت ورقة المناورة، ودخلت بنفسها إلى فخ جهنمي، لايمكن لموظفي السياسة البلداء في «حكومة شريف» فهم تداعياته، فهم على الأرجح مأمورون يرددون ما يصلهم من بيانات، لايقدرون خطورتها، ولا علاقتها بمستقبل البلاد.

(5)
من رذائلي التي فشلت في التخلص منها، أنني أتعامل مع الجميع باعتبارهم أذكياء، مخلصين، كرماء، يسعون إلى الخير وتحقيق المصلحة، وبالتالي لا أنطلق أبداً من منطلق التخوين لأحد، ولا أحاول التقليل من قيمة تفكيره، بمعنى أوضح هناك فارق بين التكتيك (ما نستخدمه من أساليب عاجلة في اللحظة) وبين الاستراتيجية (الهدف البعيد الذي نخطط للوصول إليه، وهو بالمناسبة قد يتعارض مع التكتيك لمن لايعرف الصورة الكاملة)، وبناء على هذه «النوايا الحسنة» (وهي في السياسة كما تعرفون من أهم الطرق التي تؤدي إلى الجحيم)، قلت: لعل هناك جانبا خفيا في الاتفاق يحقق للنظام تحقيق وعده بأن تصير مصر «أد الدنيا»، وذهب آخرون مثلي فقالوا: ربما يريد الرئيس أن يتحرر من قيود كامب ديفيد، عشان كده بقى هيسلم «تيران» للسعودية، وبعدين يعملوا سوا بوابة زي اللي في شارع القصر العيني، ويوقفوا حركة إسرائيل، في البحر الأحمر، ويضربوا تواجد الصهاينة التجاري والاقتصادي في أفريقيا..!

(6)
الله عليك ياريس، بس فين «الجارانتي» وخدمة ما بعد البيع؟.. عاوزين بقى الضمان للكلام الخيالي ده، لأن أنا عندي كلام تاني خالص، بيقولوا يا ريس إن آل سعود هيقفلوا علينا إحنا البوابة لصالح إسرائيل، وبيقولوا إن تاريخهم يرجح الاحتمال ده، وبيقولوا إننا لو تنازلنا عن تيران، قناة السويس إذ فجأتن مش هيبقى ليها لازمة.. وإننا هنعملها «بيسين كبير» نبني حواليه منتجعات، ونؤجر شماسي وكراسي للخواجات، وحتى يا عيني مش هنقدر نبلبط..!

(7)
* إزاي الكلام ده؟
- أقول لك بالراحة من غير نرفزة
* تعرف תעלת הימים يا استراتيجي؟
- يعني إيه؟
* يعني «تعالات هاياميم»
- إيه الكلام الغريب ده؟
* مش غريب ولا حاجة.. ده التخطيط والاستراتيجية سعادتك، الغريب هوه اللي يتهببوه، هذا هو المصطلح العبري لقناة البحار التي نترجمها بجهلنا العربي إلى «قناة البحرين» وهو اسم المشروع الذي وقعته إسرائيل مع الأردن بالفعل، في خطوة تكتيكية تهدف إلى ربط البحر الميت بالبحر الأحمر، بعد رفع منسوب المياه في البحر الميت، والاتفاق وتفاصيله متوفر لمن يقرأ، أما بالنسبة لفارق الترجمة بين «البحرين» و«البحار»، فهذا يرجع إلى مرحلة لاحقة في المستقبل تنوي فيها إسرائيل ربط البحر الميت بالبحر المتوسط، وبالتالي تتحقق الخطة التي حلم بها وسجلها تيودور هيرتسل الأب الروحي للصهيوينة، وأظن أن موظفي السياسة البلداء في بلدنا المنكوبة بحكامها، يعرفون أن البنك الدولي درس مشروع «ناقل البحرين» ووافق عليه، وتل أبيب أنهت جانبا كبيرا من الاتفاقات مع الأردن والسلطة الفلسطينية، في ظل حضور أمريكي ودعم بريطاني، وخنوع وجهل عربي، اعتبره وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم هدية لروح هرتسل، حيث سيقضي هذا المشروع على قناة السويس تماما، وهي الفكرة التي اقترحها أميرال البحار البريطاني وليم ألان في منتصف القرن الـ19 لمنافسة فرنسا، وضرب تنفيذها لمشروع قناة السويس..!

(8)
يااااه.. ده قلبهم أسود قوي، لسه فاكرين، وبيكملوا ما بدأه توماس لورانس، المعروف باسم «لورانس العرب»، الذي رتب وضعية الجزيرة العربية، وساهم في صنع اللحظة التي نغوص في قذارتها الآن، وبالتالي فإن إبعاد مصر من فم خليج العقبة مقدمة لتطهير طريق القناة الإسرائيلية المزمعة التي ستقضي على قناة السويس.

(9)
قد يرى بعض «الوقوعيين» أن هذا الاحتمال بعيد، وأن السعودية «تابت» وقطعت علاقتها السرية مع لورانس وأحفاده وأحبابه من آل هيرتسل، وقد يكون «الأسد المصري» متيقظا ويضع في حسبانه كل الاحتمالات، ويعتبر أن الحديث الدائر يقتصر على الملكية القانونية فقط، مع ضمان السيطرة الأمنية لمصر على الجزر وعلى الملاحة في البحر الأحمر كله، باعتباره بحرا إقليميا عربيا بالكامل، وقد يتشدد هؤلاء في الحق والمستحق ويقولون لك إن الخرائط والقواعد التي وضعها المغفور له مارك سايكس وشريكه فرانسوا بيكو، أكدت أن تيران تقع في المياه الإقليمية السعودية، وعلينا ألا نماطل ونتنازل عن ملكيتها لأصحابها، على أن تبقى مصر تسيطر وتدير وتركب الجزر بشكل فعلي لاعتبارات الأمن القومي التي لايمكن التفريط فيها، لكن السؤال الذي يشاغبني في هذه الحالة: لماذا إذن تصر المملكة على توقيع عقد زواجها بجزيرة، وتتعهد في نفس الوقت بأن تتركها لزوجها أو عشيقها السابق.. لا فرق.

(10)
دعكم من هذا الهراء السياسي والقانوني: قد أخسر الدنيا.. نعم/ لكني أقول الآن: لا - تيران لا../ هي آخر الطلقات: لا
لا
لا
لا

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية