«ودع كل صوت غير صوتى فإننى.. أنا الطائر المحكى والآخر الصدى». المتنبى.
الغرور صفة ذميمة، هى مترادفاتها. تكبر.. تجبر.. غطرسة.. تبختر.. خيلاء.. نرجسية.. تفاخر.. تطاوس.. عجرفة... إلخ. وفى بعض الثقافات، الغرور هو أصل الشرور. وهو أسوأ «الخطايا السبع»، فى الفلكلور الدينى لأوروبا العصور الوسطى. وتطهر المغرور المتغطرس عند «دانتى» Dante، فى «الكوميديا الإلهية»، هو أن يعلق فى عنقه أحجارا كبيرة. ليظل محنى الرأس. والغرور المعنى فى سياقنا هذا هو السلوك الاستعلائى تجاه «الآخر». وهنا نستثنى مبدعى الفن والأدب. فتفاخر المتنبى المعروف- على سبيل المثال- هو صور أدبية مقبولة فى سياقها، وهو نوع من الخيال المحفز للإبداع.
فحينما نقرأ له: «أنا الذى نظر الأعمى إلى أدبى.. وأسمعت كلماتى من به صمم». أو «وما الدهر إلا من رواة قصائدى...» لن ننشغل بغرور «المتنبى» الإنسان، ولكن نستمتع بإبداع «المتنبى» الفنان. والأمر يختلف كلية إذا انتقلنا إلى سياقات غير إبداعية، تتعلق بمهام أخرى تستلزم الفطنة والكياسة.
■ الغرور فى إطار علم النفس يرجع إلى خبرات سلبية فى الماضى، ومفهوم خاطئ عن الذات، وعن الآخر، وعن الحياة بصفة عامة. وأيضا الخوف الدائم والإحساس بعدم الأمان. وهو قناع لإخفاء الضعف ولحجب الكثير من الأشياء. والغرور قد يصبح مرضاً مزمناً، ويتحول إلى «جنون العظمة».. «ميجالومنيا»، منبعها «عقدة نقص»، لا مجرد «شعور بالنقص»، فالشعور بنقص ما شىء صحى، نتداركه فنعوض ذلك بطريقة أو بأخرى. أما «عقدة النقص» فهى ظاهرة غير صحية.. فمثلا يكون طول قامة المعنى «شبر ونص».. وبدلا من أن يعوض ذلك بطريقة إيجابية، فإننا نراه ينحنى حينما يمر من باب طوله عشرة أمتار!! فحتى مفهومه عن أبعاد جسده خاطئ. والغرور تفاخر.. نوع من النرجسية «عشق الذات»، أو «عبادة الذات». والتفاخر فعل مذموم، سواء عن جدارة أو بغير جدارة، بل الذى هو عن جدارة هو أنكى وأشد سبيلاً، كما يقول «نيتشه»: إذ إن «الجدارة فى حد ذاتها مهينة للآخر». والغرور هو ابن شرعى للكذب. وأب أصيل للطغيان. وهو ابن عم الادعاء والمنظرة والفشخرة. ومن أسوأ أشكال الغرور ادعاء التواضع. والغرور قد يرتكز جزئيا على معطيات حقيقية أو وهمية. طبيعية أو مكتسبة. قوة ما، سواء مادية أو لا مادية. والغرور سمة تتحول أحياناً من سمة فردية إلى سمة جماعية، أو طائفية أو مهنية أو مؤسسية. وتتحول الـ«أنا» إلى «نحن»، بنفس التميز والاستعلاء.. غرور أممى.. شعوبى.. عنصرى الطابع.. فهناك من يعتقدون أنهم «شعب الله المختار».. وكأنه مختار إلى الأبد خارج السياق التاريخى.. ومهما فعل. أو من يعتقدون أنهم «خير أمة» بمجرد الوجود.. بالميلاد.. بغض النظر عن «أمر بالمعروف أو نهى عن منكر».
■ وهناك غرور طائفى ومهنى.. نحن القضاة.. نحن الإعلاميين.. نحن البرلمانيين.. نحن الهندوس.. نحن الكاثوليك.. نحن المسلمين... إلخ. وهناك غرور القادة والزعماء والطغاة، وهو غرور مكلف، وتدفع الشعوب ثمناً فادحاً له. منذ ما قبل يوليوس قيصر إلى ما بعد مبارك والقذافى، مروراً ببونابرت وهتلر وموسولينى وناصر وصدام.
■ و«غرور الحضارات» هو سبب أفولها.. فالغرور هو نوع من الإفراط فى الثقة بالذات. مما يستتبعه من تراخٍ وتكاسل، وحياة رخوة تفتقر إلى اليقظة والتحفز.. وهذا هو ما أدى إلى انهيار الحضارات والإمبراطوريات المختلفة. سقوط على أيدى الغزاة الأقل تحضرا، بل والهمج غير المتحضرين بالمرة. هكذا كانت نهاية الحضارة المصرية القديمة، ثم اليونانية، ثم الرومانية. التكبر والثقة الزائدة فى الذات.. الغرور هو أهم أسباب الأفول، والذى ربما نشاهد اليوم إحدى جولاته التى تبين عن شواهد قوية متنامية، لسقوط غير مستبعد للغرب على يد برابرة القرن الحادى والعشرين.
وعن الغرور والمغرورين نقرأ:
■ «الغرور هو الرمال المتحركة التى تبتلع العقل» جورج صاند.
■ كم من جاهل متواضع ستر التواضع جهله.. ومميز فى علمه هزم التكبر فضله.
■ الطاووس يصمت دهراً وينطق كفراً، إذ إن صوته قبيح.
■ جرام غرور يفسد طن جدارة.
■ «الكبر يكلفنا أكثر من الجوع والعطش والصقيع». توماس جيفرسون.
■ «الضحك هو العلاج الوحيد للغرور. والغرور هو العيب الوحيد الذى يستدعى الضحك». هنرى برجسون.
■ «نحن لا نتحمل تكبر الآخرين، لأن تكبرهم يتعدى على تكبرنا». فرانسوا دولاروشفكو.
■ «المغرور ديك يعتقد أن الشمس تشرق كل صباح لكى تستمتع بصياحه». مثل إيطالى.
■ «أن نكون ودودين مع من يكرهوننا، وقساة مع من يحبوننا تلك هى دونية المتعالى وغطرسة الوضيع». محمود درويش.
■ الفرق بين الثقة والغرور شعرة اسمها التواضع.
■ «المغرور هو شخص يسعى لكى يجلب الاحترام لمن يرى أنهم جديرون بازدرائه». إيمانويل كانت.
■ أشد أنواع الغرور المرضى خطورة هو ذلك الناجم عن هلاوس توهم صاحبها أنه مختار ومكلف من السماء لحل مشاكل أرضية.
■ ويصف الشاعر «أبولونير» المغرور فى رباعيته «الطاووس- Le Paon» «يستعرض جماله بنفش ريشه ورفع ذيله.. فتتعرى مؤخرته».
■ الإعلام.. الإعلام
■ قضية «ريجينى» كشفت للمرة المليون حقيقة أننا نخسر قضايانا أمام العالم لا لأن الحق ليس بجانبنا، ولكن لأننا نستعين بأسوأ المحامين.
■ دولة بلا لسان، وإعلامها الرئاسى والوزارى إما أبكم أو إعلام ثأثأة. وإعلامها الخاص كلٌّ يغنى على ليلاه. والإعلام «العام» فاسد، ومفسود يا ولدى مفسود.. مفسود. لا يمكن لهذه الدولة أن تصمد إعلامياً فى مواجهة تحديات «اللوبى الإخوانى الإعلامى العالمى»، المدعوم من سفاهة أموال قطر وتركيا، وغيرهما من أراذل المتأسلمين و«بعض» أرزقية حقوق الإنسان فى الداخل قبل الخارج. (والتبعيض واجب).
■ الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة.. والتعالى وتجاهل أهل الاختصاص فى كل المجالات من أى عهد وأى مكان.
■ الجريمة والنقاب
حتما سوف تضطرون لمنع النقاب، ولكن.. بعد فوات الأوان.. كالمعتاد.
■ حزب التجمع
لست حزبياً، ولكن حزب التجمع هو الأقرب إلى القلب، والأبعد عن الابتذال السياسى.. وبمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسه تحية لرجاله، وعلى رأسهم مؤسسه النبيل، خالد محيى الدين، مع حفظ الألقاب.