الجسور قبل أن تكون من خرسانة أو حديد.. أو حتى من الخشب، هى جسور للمحبة والتواصل، والأهم: تدعم العلاقات بين الجيران.. وتقرب البعيد.. هكذا أنظر إلى فكرة جسر يعبر بمصر إلى السعودية.. ويعبر بالسعودية إلى مصر.. حتى ولو كان معلقاً أو ثابتاً يعبر فوق مدخل خليج العقبة.
وهو حلم قديم، ربما بدأ مع «زرع إسرائيل» فى المنطقة لتفصل بين الأشقاء العرب، من هم شرق خليج العقبة إلى السعودية وباقى دول الخليج العربية وإلى سوريا والعراق.. ومن هم غرب خليج العقبة.. مصر وليبيا وتونس والجزائر.. والمغرب.. وكان الطريق- بين كل هذه الأمم- برياً متصلاً بلا انقطاع.. إلا فترة الحروب الصليبية بوجود حصن الكرك- فى الأردن الآن- وأميره ريجنالد، وهو من أشد الصليبيين عداوة للمسلمين.. ثم تهديده بقطع طريق الحج البرى- من مصر وكل شمال أفريقيا- الذى كان يأخذ الطريق البرى عبر سيناء إلى قمة العقبة، ثم ينحدر جنوباً إلى الحجاز. وتهديده حتى بالاعتداء على الكعبة ذاتها. وكان هذا الوجود الصليبى مشابهاً للوجود الإسرائيلى الآن للفصل ومنع الطريق البرى للحج.. وكان هذا الوجود أهم أسباب صلاح الدين الأيوبى لبناء قلعته الشهيرة، فوق جزيرة فرعون فى سيناء.. ثم اضطراره إلى تغيير طريق الحج- من سيناء والعقبة- ليأخذ الحجاج طريقاً بحرياً من صعيد مصر باستخدام البحر الأحمر، عبوراً إلى ينبع أمام المدينة وجدة أمام مكة..
وكان إنشاء جسر يعبر من الأرض المصرية قرب شرم الشيخ، شمال نبق، فى سيناء إلى الأرض السعودية، شمال تبوك، أو بالقرب من ميناء ضبا السعودى، حلماً ليصل ما انقطع بسبب الوجود الإسرائيلى، وتقليل مسافة الحج البرى، الذى يأخذ طريقاً إلى داخل الأراضى الأردنية عند العقبة.. أو بحرياً من ميناء نويبع المصرى فى سيناء إلى ميناء ضبا السعودى.. وبالتالى تقليل النفقات.. مع تقليل زمن الرحلة المقدسة..
وعاش هذا الحلم «العربى» بين الشد والجذب سنوات طويلة.. مرة بسبب اعتراضات سعودية، مع تخوفات أمنية من الأشقاء.. ومرة بسبب توترات مصرية، رغم فائدته القصوى، ومرة بسبب اعتراضات إسرائيلية، وهنا يتحدث البعض عن اشتراطات إسرائيلية قد تعرقل، أو على الأقل تؤخر، تنفيذ هذا الحلم.. وهذا الكلام ليس إنشائياً، بل حقائق مؤكدة يعرفها كل من اتصل بهذا الحلم العربى، الذى كان يحلم بانطلاق العربى من أقصى دول الخليج العربى- والعراق- شرقاً إلى مصر- حيث القلب العربى- ثم إلى دول المغرب العربى على الشاطئ الشرقى للمحيط الأطلنطى غرباً.. سواء بالقطارات، ركاباً وبضائع، أو بسيارات النقل الكبرى.. أو السيارات الخاصة لهواة السفر والسياحة والتنقل..
ولا أثير هنا موضوع جزيرة صنافير- وهى إلى الشرق- ولا إلى جزيرة تيران، وهى غربها، وتبعيتهما السيادية، فتلك أمور يمكن تسويتها بما يقتضيه الأمن القومى العربى، دون المساس بالسيادة على هاتين الجزيرتين.. وتلك يمكن حلها وفقاً للروح السائدة بين الأشقاء، رغم أن المجرى الملاحى الصالح للعبور فى خليج العقبة هو الممر الذى يقع غرب جزيرة تيران، أى المواجه لمنطقة شرم الشيخ.. وقد نعود إلى هذه النقطة الحساسة ويمكن حلها ضمن حل قضية الحدود البحرية بين مصر والسعودية، دون النظر إلى ما جاء باتفاقية كامب ديفيد، خاص بالجزيرتين..
ونعود إلى جسر الملك سلمان.. لنتحدث عن أشهر الجسور المشابهة فى العالم.. فنقول إن السعودية أقامت- بالاتفاق مع دولة البحرين- جسراً يمتد من المنطقة الشرقية السعودية ويعبر المنطقة البحرية فى الخليج العربى ليصل إلى البحرين، بطول 25 كيلومتراً. وهو مزود بجميع مرافق الخدمات اللازمة. وكان يعرف أثناء تشييده باسم جسر السعودية- البحرين، ولكن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير البحرين، اختار أن يطلق عليه اسم جسر الملك فهد، وذلك خلال الاحتفال بافتتاحه فى نوفمبر 1986. وهو جسر خرسانى مزدوج، قائم على قواعد خرسانية ضخمة، ويقع جنوب مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية السعودية، ويعتبر أطول جسر يعبر معبراً مائياً فى العالم.. بينما يصل طول جسر الملك سلمان- بين مصر والسعودية- إلى 23 كيلومتراً..
■ ■ ولكن ما هى فائدة هذا الجسر للشعبين الشقيقين مصر والسعودية؟.. وهل يقف فقط عند الفائدة الدينية أو التجارية، أو حتى السياحية؟ ولكن هناك الكثير.. وهذا ما نذكره غداً.. إن شاء الله.