أي ضابط مُراقب لحساب البرادعي على Twitter سيكتشف دون عناء أن أعداد المُعجبين بأفكاره لم تتأثر أبدًا بالسلب منذ أغسطس 2013، هذا الضابط لو تابع السلوكيات الإلكترونية للمتعاملين على Facebook سيلحظ أن كثيرًا منهم صاروا غير عابئين بتهمة «الطابور الخامس» التي تُوزع مجانًا على كل من يعيد نشر تدوينة أو خبر عن البرادعي، ليبقى السؤال: لماذا لم يستطع النظام القضاء على صورة د/ محمد البرادعي- عند مُتابعيه- رغم الآلة الجُهنمية التي استهدفته عقب الانسحاب من المشهد الرسمي يوم الفض؟؟
طبيعة العالم الذي يُمثله.. منذ ظهوره على الساحة المصرية بعد حصوله على نوبل للسلام، تشكلت صورة البرادعي ذهنيًا لدى جماهير تغريداته، في صورة أب روحي لأفكار العالم المتحضر المُتأسس على جناحي الحرية والعلم بعيدًا عن المُستنقعات المحلية، وعبر محكات عديدة قبل ثورة يناير وبعدها، تأكد هؤلاء أن البرادعي في ثوريته أقرب إلى غاندي منه إلى جيفارا، هُوة واسعة فصلت بين استطاعته بث الأحلام كبرى على Twitter، وقدرته على تحمل تبعات الفعل على الأرض، وفي أعقاب تخليه عن منصب نائب رئيس الجمهورية يوم 14 أغسطس، أصاب مُتابعيه بصدمة، هؤلاء اختلفوا معه بشدة علنًا ولم يفقدوا احترامهم له سرًا، لأنهم يعلمون أنه اتسق تمامًا مع ذاته ومع ما كان يُغرد به صراحة على حسابه، لذا ورغم كل شيء ظل البرادعي بأفكاره في مُخيلتهم سفيرًا لكوكب آخر حلموا أن تكون مصر جزءًا منه، ثم انتظروا!!
إحباطات ما بعد يونيو.. القيم التي روج لها البرادعي وجذبت مُتابعيه له، هي ذاتها التي أهينت بقسوة عقب صيحة المصريين المُستحقة في 30 يونيو: «يسقط يسقط حكم المرشد»، لقد تدهور بنا الحال حتى صارت قيمة العدل في عداد المفقودين مع قيمتي حرية الإنسان وكرامته!! لقد عشنا لليوم الذي سمعنا فيه بالإيطالية من والدة ريجيني عبارة: «قتلوه كما لو كان مصريا»!! أما قيمة العلم فقد توالت نكساتها بدءًا بإعلان وهمي عن جهاز لعلاج فيروس C، وصولًا لتكريم الرئيس للنصاب «إسلام بشارة» في عيد العلم باعتباره أصغر شاب مصري حاصل على شهادة الدكتوراه ثم اكتشاف أنه مجرد مُزور!! البعض تساءل: كيف اخترق هذا النصاب كل الدوائر حتى كرمه الرئيس؟! أي مُتابع مُنتظم لحساب البرادعي لو تأمل كل ما نحياه ثم طالع تغريدته الأخيرة: «العقل والعلم والقيم الإنسانية أبقى من الجهل والإفك والقمع»، حتمًا سيكتشف كيف يدعم النظام صورة محمد البرادعي من جديد.
صدق رؤاه المُستقبلية.. بأعقاب الفض اشتد الهجوم عليه بشراسة استنادًا لاستقالته بلحظة مَسيسة من عمر الوطن، ليشترك بأوركسترا تخوينه كل مُخبري الإعلام، وبعض اللواءات السابقين الذين تحدثوا كاستراتيجيين ثم صاروا فيما بعد من كلاسيكيات كوميديا المصريين، حتى إنه لم يسلم من ألسنة بعض الفنانين ذوي السُمعة السيئة!! حينها اكتفى البرادعي بنص استقالته وانزوى هادئا، أغلب مُتابعيه الجيدين ورغم اختلافهم معه بشدة حينئذ، فضلوا عدم الانجرار لموجات تخوينه لخبرتهم بصدق رؤاه المُستقبلية، وهم في أي نقاش الآن لن يطلبوا منك سوى إعادة قراءة متأنية لنص استقالته بعيدًا عن الأجواء المحمومة آنذاك، وصولًا لجملته: «وستذكرون ما أقول لكم».
وفي النهاية، حتمًا سيكتشف هذا الضابط أن النظام لم يستطع القضاء على الصورة الذهنية للبرادعي عند متابعيه، هو بالكاد وباستخدام أقصى طاقاته الجهنمية قلل مؤقتًا من «هامش جهر» إعجاب هؤلاء بأفكاره على Facebook، ليبقى السؤال الأهم: هل باستطاعة هذا الضابط أن يحسم الأمر ويطلق الرصاص على أي فكرة من تلك الأفكار التي لا تروق له فيقتلها؟!
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: twitter.com/sheriefsaid