x

شريف سعيد قميص «ريجيني» شريف سعيد السبت 02-04-2016 21:49


أي مُراقب لمواقع التواصل الاجتماعي سيلمس رغبة مطمورة لدى كثيرين في تورط الأمن بمقتل «جوليو ريجيني»، هؤلاء لا يستطيعون الإفصاح صراحة عن أملهم نظرًا لما ينطوي عليه من اتهامات بالتخوين والتأخون والعمالة، وبغض النظر عن تلك الادعاءات سابقة التجهيز، يظل السؤال المُر: لماذا يتمنى مصريون (بعيدون عن الإخوان) تورط شرطة بلادهم في دم الشاب الإيطالي؟!

الرغبة في الثأر.. العثور على جُثة ريجيني مشوهة وملقاة على طريق سريع استدعت تلقائيًا حكايات الذين اختفوا قسريًا أو أهينوا أو عُذبوا حتى الموت، هؤلاء الذين إن كُشفت قصصهم بعد فشل كل سيناريوهات التعمية والتضليل، ثم أصبح حضرة الضابط مُتهمًا فحتما سيصدر قرار حظر نشر بالقضية خرسًا لألسنة الخلق باعتبار أن القاتل ابن الدولة!! لكن جثمان الإيطالي ليس كباقي أجسادنا!! والدة ريجيني أمام برلمانها قالت: «ربما يكون جوليو حادثة فردية في تاريخنا كإيطاليين ولكن بالنسبة لمصريين آخرين ليس حادثة فردية، لهذا سأستمر في مطالبتي بمعرفة حقيقة ما حدث».. أي مُتأمل سيدرك أن حالة من «التقمص الوجداني» صارت تجمع بين سيدة في روما وثكالى من مصر، لذا لم يعد ريجيني يمثل نفسه، إنه الإيطالي الذي قد يقتص رمزيًا في نظر البعض- إن ثبت تورط الشرطة- لكل الذين قُتلوا مجانا.

الشعور بالاغتراب.. مصريون الآن يشعرون أن هذا الوطن لا يحترم إلا الضباط والقضاة!! هذا الشعور ترسخ بقسوة في محطات عديدة أعقبت وصول الرئيس للاتحادية، البعض استدل بالفارق بين ردة فعل الدولة عقب استشهاد شيماء الصباغ ومذبحة مشجعي الزمالك وسحل الأطباء، وبين ردة فعلها عقب اغتيال هشام بركات واستشهاد الضباط والجنود وسخرية مالك وشادي من العساكر، أي مُقارن- مع اختلاف الملابسات- سيدرك أن كرامة المصريين لا تقاس الآن بمسطرة واحدة!! أحدهم قد يبرر هذا بسياق «الحرب ضد الإرهاب»!! وهذا عذر لا يسوقه إلا جاهل!! الظلم والتمييز وتفتيت المجتمع لن يحققوا نصرًا على أحد بل هي مقادير موصوفة لطهو الهزائم المدوية!! هي أسباب منطقية لتحقق الاغتراب داخل الوطن، ومن الطبيعي جدًا لهؤلاء المغتربين تمني تورط ظالميهم بدم قميص ريجيني.

النكاية في النظام.. المصلحة الضيقة التي يُمكن أن تتحقق للنظام من وراء الإطاحة بمجلس تحرير صحيفة أو التخلص من مُذيع بقناة، بالموازاة مع الحرق العمدي المُستمر لكل الشخصيات والتيارات ذات الآراء المغايرة، كل هذا قد يكلف مصر وقيادتها أثمانًا باهظة!! المُضي في هذا الاتجاه الاقصائي للجميع سيُجبر كل الأضداد آليا على التوحد نفسيًا والوقوف داخل مربع واحد كبير- حتى وإن لم يقصدوا ذلك- في وجه السلطة التي تقمعهم بلا تمييز!! وهذا سيكون له ما بعده إن عاجلًا أو آجلا، هذا «الخطأ الدرامي» في توحيد الخصوم ارتكبته من قبل جماعة الإخوان، ويرتكبه مُديرو المشهد الحالي بدرجات أفدح كثيرًا وعلى نحو «كوميدي أسود» يفتقد لأبسط قواعد حكمة «نصابي مبارك» في عصر ما قبل أحمد عز!! كل هذه الأجواء الإقصائية أفرزت صفوفًا ترغب في غرق النظام بمستنقع ريجيني، لمَ لا، وقد أغلقت السلطة أبواب المعارضة، وأجبرت الجميع على النفاذ من شبابيك النكاية؟!

في النهاية، وبغض النظر عن إجابات هذا السؤال المُر، يبقى السؤال الأكثر مرارة عقب خمس سنوات من ثورة يناير: مَن هؤلاء الذين سخطوا في المصريين كل أحلامهم الكبرى بالتغيير إلى مجرد رغبة بالثأر، وشعور بالاغتراب، وسعي للنكاية تحقيقًا لنصر زائف بوكالة إيطالية؟!

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: twitter.com/sheriefsaid

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية