أخيراً.. بل أخيراً جداً.. انتبهت الدولة إلى أن لها مواطناً اختفى فى إيطاليا منذ ستة أشهر، وأن اختفاءه وقع بعد مشاجرة بينه وبين صاحب مطعم كان يعمل فيه، وأن الشرطة الإيطالية لم تهتم بالاختفاء إلا بعد وقوعه بـ15 يوماً، وأنه لا أحد فى مصر، ولا فى إيطاليا، يعرف أين ذهب هذا المصرى المختفى!
وعندما هددت إيطاليا، الثلاثاء الماضى، باتخاذ إجراءات فورية ضدنا، إذا لم يظهر الجناة فى واقعة مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، قال الرئيس فى أثناء استقبال وفد من حلف شمال الأطلنطى، إن القاهرة من جانبها مهتمة بمعرفة مصير عادل معوض!
وحين صدرت «المصرى اليوم» صباح الأربعاء، وفى صدر صفحتها الأولى مانشيت يقول: «إيطاليا تهدد بإجراءات فورية.. والرئيس: مهتمون بقضية معوض».. فلابد أن كثيرين ممن طالعوا الصحيفة، قد تساءلوا على الفور: من معوض هذا؟
ولم يكن معوض بالطبع، إلا المصرى، الذى اختفى هناك، ولم يهتم أحد باختفائه هناك ولا هنا، فى الوقت الذى امتلأت فيه وسائل إعلام إيطاليا، وغير إيطاليا، بالتساؤل عن سر مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، وعمن قتله بالضبط!
ولأن الاهتمام من جانبنا بحكاية معوض جاء متأخراً، ولأنه اهتمام يأتى وكأنه مجرد رد على الإلحاح الإيطالى فى موضوع ريجينى، فإن دم معوض يبدو وكأنه قد تفرّق بين القبائل، كما أن الاهتمام به، وبحياته، على مستوى أجهزة الدولة المعنية عندنا، يبدو أيضاً، اهتماماً مصطنعاً، بدلاً من أن يكون اهتماماً حقيقياً بحياة إنسان، شأنه شأن ريجينى بالتمام!
صحيح أن ملابسات واقعة ريجينى مختلفة، وصحيح أن تسييساً كبيراً ومقصوداً قد جرى لواقعته منذ أول لحظة، وصحيح أن طريقة إدارتنا للملف الخاص به قد ساهمت إلى حد بعيد فى تضخيمها ثم توظيفها ضدنا، وصحيح.. وصحيح.. إلى آخره.. غير أن علينا أن ننتبه إلى أن ريجينى إذا كان إنساناً، فإن معوض إنسان كذلك، وأن الاهتمام بحياتيهما لابد أن يكون متساوياً، وأن الجانب الإيطالى إذا كان لايزال يُلح فى معرفة خلفيات مقتل ريجينى، فعلينا، فى المقابل، أن نمارس الإلحاح نفسه، فى حكاية معوض، ليس على سبيل الرد على إلحاحهم، وإنما لأنه مواطن، ولأن أسرته تريده حياً أو ميتاً، ولأن على الدولة أن تشارك الأسرة فى هذه الرغبة، بكل قوة ممكنة!
سوف تهتم الدولة بعادل معوض، وبغير عادل معوض فى مثل حالته، عندما يكون للمواطن سعر حقيقى عندها، وعندما لا تكون قيمة المواطن هى مجرد خمسة آلاف جنيه للمتوفى، وألفين للمصاب، مع كل حادث على أى طريق!
واقعة معوض تقول إن المواطن سوف يكون له سعر فى الخارج، فى اللحظة التى يكون له سعر فى الداخل!